في تونس تقول الأخبار إن الهوة كبيرة بين حمادي الجبالي، «نجم» النهضة ورئيس حكومتها، وراشد الغنوشي، مرشد النهضة ومحركها.
الخلاف وصل إلى طريق مسدود حول منهج إدارة الحكم والسياسة، بعد رفض مبادرة الجبالي لتشكيل حكومة احترافية، عوض الحكومة السياسية السلطوية المسيطر عليها النهضويون، لكن «الشيخ» راشد رفض بعناد، وقال بصراحة متناهية، وبالنص: «لن نتخلى عن السلطة». فحنق الجبالي على الغنوشي هذه الشيمة السلطوية المخيفة، وقدم استقالته، وتقول بعض الأنباء إنه يزمع تأسيس حزب إسلامي جديد، بنكهة أكثر ليبرالية ومرونة من «حزب الغنوشي».
قبل الجبالي كان الشيخ عبدالفتاح مورو، وهو الرمز النهضوي الموازي للغنوشي في تونس، كان قد طالب سابقاً بتنحي الغنوشي عن قيادة الحركة، إنقاذاً لها، لكن مورو عاد فـ»لطف» تصريحه، بعدما غازله الغنوشي بكلام حسن في العلن، ولا ندري كيف خاطبه في الخفاء، حتى يبادر الشيخ مورو إلى تغيير مطلبه وتليينه.
هذا في تونس، وفي مصر كان رفاق أبوالعلا ماضي، مثل عصام سلطان ومحمد محسوب، وغيرهما، غادروا حضن الجماعة الأم، الإخوان المسلمين، إثر صياغتهم برنامجاً سياسياً للعمل السياسي، قيل إنه أصلاً بطلب من الجماعة، وقيل بمبادرة ذاتية من شباب الجماعة، ثم رفضته الجماعة، فأسس الشباب حزبهم «1996»، لكن لجنة الأحزاب حينها رفضته، وأصبح قضية في مصر، وتقدموا بالطلب 3 مرات، ورفض، حتى قبل تأسيسه بعد سقوط نظام حسني مبارك في 2011، باسم «الوسط الجديد».
أثناء ذلك، وقبله أكثر، كان الانتماء إلى «حزب الوسط»، أو حتى التواصل معه، مدعاة للنبذ داخل جسد الجماعة الأم، رغم الخلفية الفكرية والحركية والتربوية الواحدة، ولاحقاً بعد ما سمي بـ»الربيع العربي» في مصر، وإصرار القيادي الإخواني الكبير عبدالمنعم أبوالفتوح على خوض سباق الرئاسة، عكس ما قرره «الإخوان» في حينه، تم خروج، أو إخراج، أبوالفتوح من الجماعة، وقام بتأسيس حزبه الخاص، وتكثير مريديه، وجمهوره. والآن يحاول أن يقدم نفسه بديلاً معتدلاً عن الجماعة، كوجه إسلامي بنكهة ليبرالية وطنية، ولايزال يحاول.
نتحدث عن الأبرز في مصر، وهناك كثيرون يحاولون إما القفز من سفينة «الإخوان»، أو اقتطاع حصة من نصيبها الجماهيري، عبر مزاحمتها على الشعار الديني، بعد عثرات الجماعة في الحكم، وهناك في مصر من وصل به الأمر إلى محاولة الحلول محل الجماعة في نشاطها الأم وهو الدعوة والتأطير الجماهيري بعيداً عن العمل السياسي المباشر، مثلما يحاول هذه الأيام القيادي الإخواني السابق، كمال الهلباوي، ومعه نائب مرشد الجماعة السابق والمستبعد بدوره منها، محمد حبيب.
لاحظوا أننا نتحدث فقط عن الانشقاقات داخل إطار جماعة الإخوان، وهي ليست الجماعة الوحيدة التي تتوسل شعارات دينية للحشد السياسي وإغراء الجماهير. فهناك جماعات ثانية مثل السلفية السياسية، وجماعات حزب التحرير المنادية بشكل ملح ووحيد إلى الخلافة. وداخل كل تيار من هذه التيارات تجد انشقاقات وانفصالات، تصل أحياناً إلى حد حمل السلاح، والتضليل، بل والتخوين. ويكفي أن تقرأ ما قاله السلفيون في «الإخوان»، وما قاله «الإخوان» في السلفيين، وما قاله «حزب التحرير» في الاثنين، لتعرف شراسة الاختلاف. الغرض من هذا كله القول: من من هؤلاء يمثل الرؤية الإسلامية «الحقيقية»؟!
بالنسبة لي كلهم مجرد بشر يجتهدون رأياً بشرياً حمالاً للخطأ والصواب، وليسوا ممثلين نهائيين للحق الإلهي، مهما رفعوا من شعارات مقدسة.
العبرة بالدليل والبرهان، والنتائج على الأرض، ونفع الناس، وليس بمظاهر الزي والوجوه، وترديد الخطب والمواعظ.
نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية
الخلاف وصل إلى طريق مسدود حول منهج إدارة الحكم والسياسة، بعد رفض مبادرة الجبالي لتشكيل حكومة احترافية، عوض الحكومة السياسية السلطوية المسيطر عليها النهضويون، لكن «الشيخ» راشد رفض بعناد، وقال بصراحة متناهية، وبالنص: «لن نتخلى عن السلطة». فحنق الجبالي على الغنوشي هذه الشيمة السلطوية المخيفة، وقدم استقالته، وتقول بعض الأنباء إنه يزمع تأسيس حزب إسلامي جديد، بنكهة أكثر ليبرالية ومرونة من «حزب الغنوشي».
قبل الجبالي كان الشيخ عبدالفتاح مورو، وهو الرمز النهضوي الموازي للغنوشي في تونس، كان قد طالب سابقاً بتنحي الغنوشي عن قيادة الحركة، إنقاذاً لها، لكن مورو عاد فـ»لطف» تصريحه، بعدما غازله الغنوشي بكلام حسن في العلن، ولا ندري كيف خاطبه في الخفاء، حتى يبادر الشيخ مورو إلى تغيير مطلبه وتليينه.
هذا في تونس، وفي مصر كان رفاق أبوالعلا ماضي، مثل عصام سلطان ومحمد محسوب، وغيرهما، غادروا حضن الجماعة الأم، الإخوان المسلمين، إثر صياغتهم برنامجاً سياسياً للعمل السياسي، قيل إنه أصلاً بطلب من الجماعة، وقيل بمبادرة ذاتية من شباب الجماعة، ثم رفضته الجماعة، فأسس الشباب حزبهم «1996»، لكن لجنة الأحزاب حينها رفضته، وأصبح قضية في مصر، وتقدموا بالطلب 3 مرات، ورفض، حتى قبل تأسيسه بعد سقوط نظام حسني مبارك في 2011، باسم «الوسط الجديد».
أثناء ذلك، وقبله أكثر، كان الانتماء إلى «حزب الوسط»، أو حتى التواصل معه، مدعاة للنبذ داخل جسد الجماعة الأم، رغم الخلفية الفكرية والحركية والتربوية الواحدة، ولاحقاً بعد ما سمي بـ»الربيع العربي» في مصر، وإصرار القيادي الإخواني الكبير عبدالمنعم أبوالفتوح على خوض سباق الرئاسة، عكس ما قرره «الإخوان» في حينه، تم خروج، أو إخراج، أبوالفتوح من الجماعة، وقام بتأسيس حزبه الخاص، وتكثير مريديه، وجمهوره. والآن يحاول أن يقدم نفسه بديلاً معتدلاً عن الجماعة، كوجه إسلامي بنكهة ليبرالية وطنية، ولايزال يحاول.
نتحدث عن الأبرز في مصر، وهناك كثيرون يحاولون إما القفز من سفينة «الإخوان»، أو اقتطاع حصة من نصيبها الجماهيري، عبر مزاحمتها على الشعار الديني، بعد عثرات الجماعة في الحكم، وهناك في مصر من وصل به الأمر إلى محاولة الحلول محل الجماعة في نشاطها الأم وهو الدعوة والتأطير الجماهيري بعيداً عن العمل السياسي المباشر، مثلما يحاول هذه الأيام القيادي الإخواني السابق، كمال الهلباوي، ومعه نائب مرشد الجماعة السابق والمستبعد بدوره منها، محمد حبيب.
لاحظوا أننا نتحدث فقط عن الانشقاقات داخل إطار جماعة الإخوان، وهي ليست الجماعة الوحيدة التي تتوسل شعارات دينية للحشد السياسي وإغراء الجماهير. فهناك جماعات ثانية مثل السلفية السياسية، وجماعات حزب التحرير المنادية بشكل ملح ووحيد إلى الخلافة. وداخل كل تيار من هذه التيارات تجد انشقاقات وانفصالات، تصل أحياناً إلى حد حمل السلاح، والتضليل، بل والتخوين. ويكفي أن تقرأ ما قاله السلفيون في «الإخوان»، وما قاله «الإخوان» في السلفيين، وما قاله «حزب التحرير» في الاثنين، لتعرف شراسة الاختلاف. الغرض من هذا كله القول: من من هؤلاء يمثل الرؤية الإسلامية «الحقيقية»؟!
بالنسبة لي كلهم مجرد بشر يجتهدون رأياً بشرياً حمالاً للخطأ والصواب، وليسوا ممثلين نهائيين للحق الإلهي، مهما رفعوا من شعارات مقدسة.
العبرة بالدليل والبرهان، والنتائج على الأرض، ونفع الناس، وليس بمظاهر الزي والوجوه، وترديد الخطب والمواعظ.
نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية