نبارك بداية لسمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد منصبه الجديد، وندعو له بالتوفيق والسداد إن شاء الله في خطواته، وأن يكون خير عون وسند للعم الكبير الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء، وأن تعود الفائدة والخير على مملكة البحرين.
كما ندعو أن يكون الله في عونهما معاً وهما في هذا المنصب الحساس، وفي هذا الوقت الذي أحوج ما تكون فيه البحرين للحزم والثبات والرؤية الصائبة، خاصة والبحرين خارجة للتو من أكبر منعطف تاريخي مر على شعبها وعلى تاريخ الحكم فيها.
كانت مشيئة الله أن تكون «التجربة السياسية» العملية والميدانية الأولى لولي العهد في عام كعام 2011، حين استلم ملف إدارة الأزمة بالكامل وحده، وخرج منها سموه بحصيلة من التجارب ربما لم يكن ليتحصل عليها في غير تلك الأجواء، إنما مثلما يقال رب ضارة نافعة.
لا يعلم سوى الله سبحانه وتعالى كيف انعكست هذه التجربة على شخصية سمو ولي العهد، إنما نظراً لما يتمتع به سموه من ذكاء وفطنة ملحوظة «وهذه ليست مجاملة»، لا يمكن أن تمر هذه التجربة دون أن تترك أثراً يصقل الشخصية ويكسبها بعداً سياسياً جديداً، يستمد البعد هذه المرة عمقه من واقع العمل الميداني المباشر أكثر مما يستمدها من الممارسة «السماعية» السابقة.
إذ مهما كانت قدرات المرء وأبعادها في رسم الشخصية، ومهما كان العمق التاريخي لانتماء هذا الشخص ممتداً لأكثر من 200 عام من الحكم السياسي، إلا أن الامتحان الحقيقي هو حين توضع في يد هذه الشخصية القرار وتبعاته ليتحملها وحده، هنا فقط تتاح الفرصة للإنسان أن يختبر الأرض بنفسه ويعرف حقيقتها، مثلما تتاح له الفرصة كي يمتحن حصيلته الذهنية ومهاراته، من خلال التجربة الميدانية فحسب يتعلم السياسي كيف يمكن أن يسلك طريقه الخاص، وأرض 2011 كانت الأوعر في تاريخ الأسرة (وبالتأكيد قرأ سموه تاريخ أسرته وكيف تخطت عقبات في طريق تثبيت حكمها على مدى 200 عام)، إنما جاء هذا العام ليضع سموه في أصعب امتحاناته على الإطلاق وهو الذي بدأ للتو السير بنفسه على أرض التعقيدات السياسية والاجتماعية الواقعية البحرينية.
البحرين اليوم بإمكانها أن تنهض وتستعيد عافيتها، والحوار يمكن أن يكون مخرجاً، لو أحسنا جميعاً قيادة دفة السفينة ولو نجحنا في إقناع الجميع بالصعود إليها، وربما يكون سمو ولي العهد هو الأقرب والأقدر على المهمة، خاصة أن هناك ترحيباً بتوليه المنصب الجديد من قبل من أراد أن يعرقل سير السفينة وتسبب لنا بهذه الأزمة، إنما ليتذكر سموه أن دولة أسست على أسس مدنية قوامها الدستور والقانون والمؤسسات يمكن أن تضيع في لحظة، إن هو أعان تلك الجماعة على وضع مسمارها الأول في نعش الدولة كما يودون أن ينهوا كل الأسس التي قام عليها الحكم لمائتي عام وثبتها التصويت على الميثاق الوطني بثمان وتسعين وأربعة من عشرة من شعب البحرين، أي لتكن تلك النسبة حاضرة يا سمو ولي العهد في ذهنك دوماً ولا تنسى أبداً 98,4%، فهدف من يمتدح وصولك للمنصب إيجاد نسبة انقسامية تحتل مكان تلك النسبة غير المسبوقة.
ولا أعتقد أن تجربة 2011 ببعيدة كي ننسى أن هذه الجماعة التي تريد أن تعرقل سير السفينة، وهي التي رفضت دعوتك للركوب حينها مازالت تراوح عند ذات الأهداف، وتستعين إلى هذه اللحظة بسفير أمريكي كما استعانت بفلتمان في مارس 2011 قبل عامين بالتمام والكمال من هذه اللحظة، تستعين اليوم بكراجيسكي، لا من أجل الديمقراطية أو من أجل العدالة أو من أجل القمصان التي ترفعها، إنما من أجل هيمنتها وسيطرتها، والحوار اليوم هو مدخلها بعد أن كان الدوار مدخلها.
هل نحرضك على تلك الأحزاب.. أبداً.. نحن ندعو الله لهم بالهداية وألا يخذلوك هذه المرة أيضاً، وأن يتغلب صوت العقل والحكمة عندها على صوت العنف والإرهاب والتقسيم المعسكري الديني، وهم يملكون أصواتاً عاقلة لكنها مقموعة ولا تستطيع الحراك.
نحن نتمنى أن تسير المركب الوطنية البحرينية بكامل عددها وهم على متنها مع كل أبناء شعب البحرين، تحت راية الديمقراطية والدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون بلا تمييز ولا تفرقة، والدولة التي يسود فيها الأمن والأمان، والدولة التي تحافظ على سيادتها وتحفظ عزتها وكرامتها فلا يضع سفير أمريكي رجلاً على رجل عمر دولته يقل عن عمر دولتنا ويعلمنا كيف نسيس أمورنا.
هل نحرضك ضد طائفة كما يروجون؟ أبداً فكل شعب البحرين بكل طوائفه الشيعة والسنة وبقية الأديان يجب أن يكونوا سواسية كأسنان المشط وأن تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، إنما نحرضك والله شاهد على ما نقول، على احترام الدستور واحترام قوانين الدولة، ونحرضك على استقلالية القضاء ولنا الشرف في ذلك، ونقولها لك وجهاً لوجه ونقولها علانية ولكل بحريني ولكل أجنبي، نحن نريد دولة القانون دولة المؤسسات ونقولها بالأخص للسفير الأمريكي الذي ذهب ليحوم كالغربان في موقع مخصص لحوار وطني بحريني، والكلام ليس للسفير وحده بل لمن أدخله متأبطاً ذراعيه وهو الذي يحمل الجنسية البحرينية مع الأسف ويا للعار، نقولها للاثنين لقد دخلتما العرين عرين البحرين فاحترما مالكه، احترما شعب البحرين، وسنكون كلنا عوناً لكل مسؤول وكل سفير وكل إنسان يحفظ ويحمي دستور المملكة ويحترم قوانينها.
قد تقرأ يا سمو الأمير منا كلاماً يحمل منغصات ولا يحمل دقات طبول التباريك كغيرنا، لكننا - والله يشهد على ذلك - حريصون على أن يكون عهدك بالعمل الميداني عهداً تفاخر به أنجالك وأحفادك مستقبلاً، فكلنا إلى زوال ولن يبقى غير وجه الله وعمل صالح يشفع لنا.
نحن حريصون على نجاحك حرص الأم على ابنها، نتمنى أن يبعد عنك كل ما من شأنه خدش مكانتك وأنت المليك الجديد المرتقب بعد عمر مديد لوالدك أمده الله ومنحه عمر النبي نوح إن شاء الله.
لذلك فإننا سنكون عوناً لك وفق قناعتنا ووفق رؤانا واسمح لنا يا سمو ولي العهد إن جاء طرحنا مغايراً.
وكلمة أخيرة يا ولي العهد لا يمكن أن نقفل المقال دونها، لا يخفى على أحد وليس سراً أن هناك تبايناً بين سمو رئيس الوزراء وبينك في كيفية التعاطي مع العديد من الملفات الاقتصادية والسياسية، وهو أمر طبيعي جداً يحتمه الفارق العمري وتحتمه منابع الرؤى المختلفة عند الاثنين، ولا نتوقع أن يكون هناك تطابق وتماثل فتلك سذاجة، المهم أن ذلك ليس عيباً ولا هو نقص في أي إدارة سياسية، ولا يخشى منه، فلا توجد إدارة أو نظام سياسي في أي دولة إلا وحمل طاقم الإدارة ذلك التبيان بين أعضائه وداخله من أجل تنوع الأفكار والآراء وأن ينال القرار تغطية شاملة كاملة للصورة تساعد في السداد، فالاختلاف والتباين ـ طالما وظف لاكتمال الصورة ـ كان مصدراً من مصادر القوة لا الضعف.
لذلك نتمنى أن يكون هذا المنصب الجديد فرصة تاريخية لسموك أن تقترب من تلك الخبرة العريقة أكثر فهناك أبعاد تاريخية بحرينية خالصة عركتها التجارب، وأبعاد إقليمية دولية يحملها عمك مخزونة بأضابير الذاكرة لم تنشر ولم يعرفها إلا من عاصر وعايش مطبخها السياسي معه، فهي فرصة جاءت من السماء كما يقال عسى أن يكون فيها خير للبحرين.
أخيراً نتمنى لك النجاح ونتمنى لك التوفيق ونتمنى لك السداد ونتمنى لك فريقاً مسانداً قوياً بلغة العصر وبلغة الماضي نتمنى لك بطانة صالحة، نتمنى أن نحتفل إن مد الله في أعمارنا السنة المقبلة والبحرين بألف خير وقد تخطت كبوتها.