لأسباب تتعلق بإعلام «المعارضة» وتأثيره على العامة، ظل البعض لفترة طويلة مشككاً في صحة روايات وزارة الداخلية، فيما يخص اكتشافها قنابل صناعة محلية، تم زرعها في أماكن معينة، والإعلان عن انفجار بعضها، ففي ظل الأحداث التي تعيشها البحرين، والتحرك غير الطبيعي للبعض، واستغلاله الفاحش لوسائل التواصل الاجتماعي، صار العامة أقرب إلى تصديق روايات ذلك البعض، من تصديقه لروايات الداخلية، فقد تمكن ذلك البعض من ترويج فكرة أن الداخلية تنفذ مسرحيات متقنة الإعداد والإخراج، ما جعل الكثيرين وبينهم متعلمون ومثقفون يصدقون هذه الفكرة.
في اليومين الماضيين، اعترفت «المعارضة» أنها هي التي تقف وراء كل تلك التفجيرات، وذلك بعدما أثبتت بالصورة الفلمية عكس ما ظلت تروج له طويلاً، حيث قامت بنشر فيديو قصير من إنتاج «ثوار النويدرات» يبين كيف أنهم قاموا بدفن إسطوانات الغاز وإطارات السيارات التي أغلقوا بها أحد الشوارع الرئيسة، وأشعلوا فيها النيران، وهو تكتيك جديد تنطبق عليه صفة الإجرام، ولا علاقة له بـ «العمل الثوري»، لأنه ببساطة يمكن أن يؤدي إلى مقتل من يدفعه سوء حظه إلى الوقوف قريباً من تلك الإطارات المشتعلة.
الفيلم يظهر كيف أن البعض قام بنقل إسطوانات الغاز الصغيرة في «كراتين»، ودفنها وسط الإطارات وأشعل النيران فيها، ويظهر كيف أن نحو أربع من سيارات الشرطة وصلت إلى المكان وتوقفت قريباً من النار المشتعلة قبل أن تتحرك إلى الأمام في محاولة للوصول إلى الفاعلين، ثم يظهر كيف أن اسطوانات الغاز انفجرت مرات عديدة.
المراد من العملية كان واضحاً وهو إحداث إصابات بين رجال الأمن، ولا بأس لو قتل منهم البعض وكذلك الإعلان عن «تكتيك» جديد لـ «المعارضة». أما التعليق المكتوب المصاحب للفيلم فكان التالي: «النويدرات: كمين للمرتزقة.. إسطوانات غاز وسط النيران. شاهد ثوار النويدرات وهم يكمنون للمرتزقة عبر وضع إسطوانات غاز وسط النيران في كمين محكم فجر الأربعاء 13 مارس 2013».
هذا يعني أن رجال الأمن كانوا الهدف، ويعني أيضاً أنه لو حدث وقتل أحد من المارة في المكان لحظة الانفجار - حيث تم وضع الإطارات وإسطوانات الغاز في مثلث بمدخل شارع يتيح للسيارات بالمرور - لصار «من صيد أمس» ولن تتكلف المعارضة سوى بعض التبريرات، وسوق بعض الآيات القرآنية المسنودة ببعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين أن الموت علينا حق، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن أحداً لا يموت قبل يومه، وربما أصحبه تعبير بليد يتضمن اعتذارا أكثر بلادة.
إن ما فعله أولئك «الثوار» بفعلهم «الذكي» هذا، هو أنهم برأوا ساحة الداخلية، التي اتهموها بتدبير مثل تلك الأفعال، وروجوا طويلاً ضدها، واعترفوا أن «المعارضة» هي التي تقف وراء موضوع القنابل الوهمية والحقيقية، وأكدوا أنهم يترصدون رجال الأمن، ويصرون على قتلهم، وأعلنوا أن الناس لا قيمة لهم طالما أنهم ينفذون ما هو مطلوب منهم كما ينبغي.
الجرم في هذه الحالة واضح، ونية القتل متوفرة، فهل ستتجرأ الجمعيات السياسية «الوفاق ومن صار تابعا لها من جمعيات»، وتصدر بيانا يدين هذا الفعل ويتبرأ من فاعليه؟ هل ستعلن رفضها لمثل هذه السلوكيات التي هي في كل الأحوال تعيق «توجهاتها الإصلاحية»، وتسيء إليها باعتبارها لم تثبت حتى الآن أنها ليست جزءاً من تلك الحركة التي اتخذت العنف سبيلاً؟
المؤسف أنها لن تفعل، رغم أنها تعلم مقدار الضرر الذي يأتيها من هكذا تصرفات لا تمت للعمل السياسي بصلة، وكذلك لن يفعل كل «الثوريين» الذين يرفعون شعارات السلمية، وينادون بالتهدئة وإفساح المجال للعقل ليمارس دوره، والأكيد أن هؤلاء جميعاً لن يدينوا مثل هذا الفعل حتى لو أوقع ضحايا.