الميزانية العامة الآن بين يدي النواب، ولا تستطيع الحكومة تمرير القانون واعتماد الميزانية إلا بتصويت النواب عليه، هذه واحدة من الأدوات الديمقراطية المتاحة ضمن دستورنا وهي واحدة من أقوى الأدوات الإصلاحية الديمقراطية التي يجب أن يسلط الضوء عليها الآن فالتوقيت أحياناً يكون عنصراً من عناصر الانتشار للحديث بشكل واقعي وعملي عما يشاع من كذب وافتراء حول (وهمية) الصلاحيات النيابية وشكلياتها.
ليس هذا فحسب بل هي فرصة وتوقيت مناسب للكشف عن العديد من الأدوات التي يتيحها الدستور للمواطنين كي تتمثل إرادتهم الشعبية في صياغة وتوزيع مواردهم.
ففي الدول الديمقراطية تتجلى أقوى الصور الديمقراطية حين يكون النقاش عاماً حول الميزانية، فتجرى مناقشات علنية وتجمع الآراء ويشرح للناس لم تم اعتماد هذا البند ولم ألغي ذلك البند، نقاشات في التلفزيون وفي الصحافة والناس تشارك بآرائها بمتخصصين وبأشخاص عاديين تستطلع مراكز الأبحاث والمراكز الإعلامية آراءهم ويتحدث فيها مسؤولو الدولة ووزراء المالية ووكلاؤهم والنواب ورؤساء الأحزاب وووو، فلا تمر الميزانية إلا بعد أن تشبع بحثاً وتمحيصاً وتحصل على قبول الغالبية من النواب.
عندنا في دستورنا وفي لائحة النواب الداخلية اختصاص للنواب يعطيهم الحق بعدم تمرير ما أقرته الحكومة كميزانية ورفضه، واختصاص عرض مقترحاتهم على الحكومة والتوافق عليها معهم.
كما إن لدينا صحافة ولدينا مؤسسات مدنية ولدينا مجالس شعبية، وفي كل دائرة هناك مجلس ونادٍ ومكان اجتماعات عامة، يتيح لنا دستورنا الحق كمواطنين النقاش العلني فيها وإبداء رأينا رفضاً أو قبولاً أو تحفظاً على توزيع الحكومة للميزانية، ويجيز لنا دستورنا استخدام هذه الأدوات للضغط على نوابنا ووزرائنا أي على السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل التوافق على الصيغة النهائية للميزانية قبل إقرارها من قبل النواب.
تلك أدوات ديمقراطية متاحة وموجودة بين أيدينا، شرعها وقننها الدستور والقوانين الخاصة بالمطبوعات والنشر وقانون الجمعيات السياسية والاتحادات النوعية وقانون التجمعات، وكلها أدوات موجودة ومتاحة لكل بحريني أياً كان موقعه وجنسه وعمره ودينه ومذهبه ليناقش فيها أدق التفاصيل عن أوجه صرف هذه الميزانية.
من حق النواب استدعاء وزير المالية أو من ينوب عنه إلى اجتماعات اللجان والجلسات العامة، كما إنه يجوز لهم عقد اجتماعات عامة في دوائرهم ويجوز ذلك لكل المواطنين أن يعقدوا الاجتماعات العامة ومن واجب السلطة التنفيذية تلبية هذه الدعوات ومخاطبة العموم مباشرة .
أمامنا إذاً موارد الدولة وأمامنا أوجه صرف هذه الموارد، والحكومة اجتهدت وتقدمت برؤيتها في أوجه صرف هذه الموارد، لكنها لا تملك إقرار تلك الرؤية دون موافقتنا فنملك قبولها ونملك رفضها ونملك كذلك حق إقرار الاعتمادات المالية الإضافية بقانون .. الباقي إذاً علينا فلا تلوموا سوى أنفسكم.