الاستبداد يبدأ من لحظة منع الحق في السؤال والمساءلة! الاستبداد يبدأ من لحظة الإقرار بوجود أجوبة مطلقة ونهائية! الاستبداد يبدأ من لحظة التقديس والقداسة، والحديث عن امتلاك الحقيقة الواحدة الوحيدة، ولذلك فإنه عند طرح القضايا السياسية يعمد البعض إلى الخلط المتعمد بين البعدين الديني والسياسي بصفة انتقائية، وبحسب ما يقتضيه المقام، وفي اتجاه واحد تقريباً، وهو تسخير الديني لصالح الهدف السياسي، ومواجهــــة النسبـــــي بالمقدس، والعقلاني بالميتافيزيقي، بما يوقع النسبي والعقلاني في دائرة التكفير في الغالب، وهو نمط من التفكير وأسلوب في الحوار يؤدي في الغالب إلى التكفير وإلى الاحتراب.
والحقيقة التي يجب توضيحها هي أن الديني هو مجال العقيدة والإيمــــــان وقواعـــــد الشريعــــة والعبادات، والسياسي هو مجال المصالح العامة ونظم الحكم وإدارة شؤون الناس، وهو مجال النسبية، مجال الاجتهاد والصح والخطأ، ولذلك يوجد فرق كبير بين المفهومين اعتباراً لأن الديني هو وحي ومبادئ مقررة بوضوح عبر نص قرآني أو سنة صحيحة، أما السياسي فهو نظام وضعي بشري يبقى المقام فيه مفتوحاً للاجتهاد بما يحمله من الصواب والخطأ، فالأول مطلق والثاني نسبي، وعليه فإن الخلط في مستوى الشعار والدعية بين البعدين يضر بالدين، ويضر بالسياسة على حد سواء.
فالسياسة تتأثر بالعصبية والمصالح في المواقف وتحولاتها وتقلباتها، وأهـــــواء القيـــــادات والأحـــــزاب ومصالحهـا، ومصالــــح الفئــــــات الاجتماعية التي تصطف وراءها، في حين أن الديني يتميز – أو يجب أن يتميز مبدئياً- بالثبات والمبدئية والتعالي على العصبيات والمصالح الفئوية، خاصة وأن النص الديني يتميز بالثبات وله مراجع محددة، بينما الموقف السياسي يتميز بالتحول والتغير إضافة إلى إقرار الاجتهاد والرأي، خاصة فيما يتعلق بطريقة اختيار النظم السياسية وآليات العمل السياسي.
وعليه فإن التوظيف السياسي للدين، وتسخير الدين لخدمة الأهداف السياسية، يؤدي في الغالب إلى إجراء عملية انتقائية تزيد من تشويش الأمور في أذهان الناس وبناء الالتباسات المعيقة للتنمية السياسيـــة الصحيحــة، القائمة أساساً على مبادئ دولة القانون والحقوق والواجبات.
ومن هنـــا ترتسم عندنا صور افتراضيـــة، نمطيــة، لمقـــدسات عديدة، من خلال صورتين في أذهان عامة الناس: الأولى صورة رجل السياسة، بوصفه «مقدساً» سياسياً، والثانية صورة رجل الدين، بوصفه «مقدساً» دينياً، وبناء على نمطية هاتين الصورتين، يتصرف الجمهور حيال السياسي والديني وكأن كل واحد فيه، من عامة الناس «العاديين»، يواجه شيئاً استثنائياً، فينتابه الخوف والرهبة منهما.
ويكشف واقع الحال أن عمليات شخصنة، واستلاب تجري للجمهور عندنا، كي يفتقد الناس إمكانية التعــرف على السياسي والديني في واقعهما الاجتماعي، أي في سياقيهما التاريخي والسياسي، وكي يمكن تحويله إلى مجرد آلة، تدار من خلال الشعارات الجاهزة التي تصنف الناس إلى مؤمنين وغير مؤمنين بالمعيار الديني، أو إلى صالحين وغير صالحين بالمعيار السياسي، في حين أن الديمقراطية تتناقض مع هذه التركيبة السائدة عندنا، فالذي يتصدى للعمل السياسي النيابي أو الحزبي يجب أن يمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً يجيب على الأسئلــــة الأساسية للتنمية بما في ذلك التنمية السياسية، ويطرح حلولاً واضحة وواقعية وقابلة للتنفيذ، كما إنه – حتى وإن كان رجل دين بأي معنى من المعاني واشتغل بالسياسة - يجب أن يكون قابلاً للمساءلة عن أفعاله وبرامجه ومقترحاته، حيث لا يُحرم الفرد في مجتمعاتنا من حق السؤال والمساءلة والنقد، بل هي من أبسط حقوق المواطنة وحقوق الإنسان التي أقرتها الأعراف الدولية والدساتير الوطنية.
همس
سئل الفخر الرازي: ما أعظم من الكفر؟ قال: الظلم أعظم وأشد من الكفر، وسئل: ما أعظم الإيمان؟ قال: العدل أعظم وأشمل من الإيمان.
وسئل ابن تيمية حول نفس الموضوع، فرد: إن الله ينصر الكافر العادل على المسلم الظالم.
{{ article.visit_count }}
والحقيقة التي يجب توضيحها هي أن الديني هو مجال العقيدة والإيمــــــان وقواعـــــد الشريعــــة والعبادات، والسياسي هو مجال المصالح العامة ونظم الحكم وإدارة شؤون الناس، وهو مجال النسبية، مجال الاجتهاد والصح والخطأ، ولذلك يوجد فرق كبير بين المفهومين اعتباراً لأن الديني هو وحي ومبادئ مقررة بوضوح عبر نص قرآني أو سنة صحيحة، أما السياسي فهو نظام وضعي بشري يبقى المقام فيه مفتوحاً للاجتهاد بما يحمله من الصواب والخطأ، فالأول مطلق والثاني نسبي، وعليه فإن الخلط في مستوى الشعار والدعية بين البعدين يضر بالدين، ويضر بالسياسة على حد سواء.
فالسياسة تتأثر بالعصبية والمصالح في المواقف وتحولاتها وتقلباتها، وأهـــــواء القيـــــادات والأحـــــزاب ومصالحهـا، ومصالــــح الفئــــــات الاجتماعية التي تصطف وراءها، في حين أن الديني يتميز – أو يجب أن يتميز مبدئياً- بالثبات والمبدئية والتعالي على العصبيات والمصالح الفئوية، خاصة وأن النص الديني يتميز بالثبات وله مراجع محددة، بينما الموقف السياسي يتميز بالتحول والتغير إضافة إلى إقرار الاجتهاد والرأي، خاصة فيما يتعلق بطريقة اختيار النظم السياسية وآليات العمل السياسي.
وعليه فإن التوظيف السياسي للدين، وتسخير الدين لخدمة الأهداف السياسية، يؤدي في الغالب إلى إجراء عملية انتقائية تزيد من تشويش الأمور في أذهان الناس وبناء الالتباسات المعيقة للتنمية السياسيـــة الصحيحــة، القائمة أساساً على مبادئ دولة القانون والحقوق والواجبات.
ومن هنـــا ترتسم عندنا صور افتراضيـــة، نمطيــة، لمقـــدسات عديدة، من خلال صورتين في أذهان عامة الناس: الأولى صورة رجل السياسة، بوصفه «مقدساً» سياسياً، والثانية صورة رجل الدين، بوصفه «مقدساً» دينياً، وبناء على نمطية هاتين الصورتين، يتصرف الجمهور حيال السياسي والديني وكأن كل واحد فيه، من عامة الناس «العاديين»، يواجه شيئاً استثنائياً، فينتابه الخوف والرهبة منهما.
ويكشف واقع الحال أن عمليات شخصنة، واستلاب تجري للجمهور عندنا، كي يفتقد الناس إمكانية التعــرف على السياسي والديني في واقعهما الاجتماعي، أي في سياقيهما التاريخي والسياسي، وكي يمكن تحويله إلى مجرد آلة، تدار من خلال الشعارات الجاهزة التي تصنف الناس إلى مؤمنين وغير مؤمنين بالمعيار الديني، أو إلى صالحين وغير صالحين بالمعيار السياسي، في حين أن الديمقراطية تتناقض مع هذه التركيبة السائدة عندنا، فالذي يتصدى للعمل السياسي النيابي أو الحزبي يجب أن يمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً يجيب على الأسئلــــة الأساسية للتنمية بما في ذلك التنمية السياسية، ويطرح حلولاً واضحة وواقعية وقابلة للتنفيذ، كما إنه – حتى وإن كان رجل دين بأي معنى من المعاني واشتغل بالسياسة - يجب أن يكون قابلاً للمساءلة عن أفعاله وبرامجه ومقترحاته، حيث لا يُحرم الفرد في مجتمعاتنا من حق السؤال والمساءلة والنقد، بل هي من أبسط حقوق المواطنة وحقوق الإنسان التي أقرتها الأعراف الدولية والدساتير الوطنية.
همس
سئل الفخر الرازي: ما أعظم من الكفر؟ قال: الظلم أعظم وأشد من الكفر، وسئل: ما أعظم الإيمان؟ قال: العدل أعظم وأشمل من الإيمان.
وسئل ابن تيمية حول نفس الموضوع، فرد: إن الله ينصر الكافر العادل على المسلم الظالم.