لعل الكثيرين صاروا يلاحظون مقدار العصبية التي صار فيها بعض البحرينيين من مستخدمي الشارع، حيث لم تعد الشوارع تغص بأولئك المتسامحين المليئة وجوههم بالابتسامة والذين ظلوا طويلاً يفسحون الطريق لمستخدميه و«يرنونهم بابتسامة»، فقد حلت بدلاً منها تكشيرة غير طبيعية وصار من السهل بها معرفة مقدار ما يعتمل في النفوس من أمور، بينما صار البعض يتساءل ما إذا كان ذلك -وتصرفات أخرى ملحوظة- دليل على الشعور بالهزيمة بسبب الضربات المتلاحقة من طرفه هو في كل الأحوال أقوى من الطرف الذي صار لا يملك إلا إحداث الفوضى.
لو تبرع أحد بفتح سجل يدون فيه مستخدمو الشارع ما يحدث لهم من قصص يومياً من هذا القبيل لامتلأت صفحاته مهما كان عددها في وقت قصير، ما يعني أن ما واجهته قبل أيام من تعنت سائق «سكس ويل» بحريني وتحوله من شخص يفترض أنه وديع كأي بحريني إلى شخص تلبسته الحماقة، حتى كاد يتسبب لي في حادث خشن ليس بالأمر الغريب أو العجيب، حيث الواضح أن كثيرين يواجهون يومياً كثيراً من هذه الحالات التي ليس لها تفسير سوى حجم الضغط النفسي الكبير الواقع على هذه الفئة التي ورطت نفسها فصارت تشعر بوقع الهزيمة فانعكس على سلوك أفرادها في الشارع وفي أي مكان يستوعب التجمعات.
شخصياً أشفقت على ذلك الشخص الذي وصفته بالأحمق، لكني دعوت له بالهداية ورحمة الوالدين لأنه بالفعل يستحق الشفقة، فالموقف في الأساس لم يكن يستدعي كل ما حدث لسبب بسيط هو أنه هو من تجاوز النظام واعتقد أنني «ناحسته» لأنني -حسب قراءته للنوايا- اعتقدت في قرارة نفسي أنه ليس بحرينياً وإنما مجرد سائق سكس ويل آسيوي! وهذا ما قاله لي عندما اعترض «بسكس ويله» سيارتي الصغيرة دون أن يبالي بالنظام الذي كسره مستعرضاً عضلاته في محاولة بائسة للبحث عن «انتصار» ما حتى لو كان مزيفاً!
هذه الحالات وحالات أخرى كثيرة يسهل رصدها صارت تحدث يومياً في شوارعنا هي من مسؤولية الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين الذين عليهم أن يدرسوها ويصلوا إلى ما يعين على تقدير حجم الضرر الذي نال المجتمع البحريني بسبب قرار اعتمد على قراءة غير دقيقة للواقع، فاعتقد أصحابه أن مسألة إسقاط النظام مجرد نزهة.
ما يحدث اليوم في مجتمع البحرين مسؤولية الذين قرروا في لحظة أنهم «سياسيون» وأنهم قادرون على تغيير الأمور ببساطة، ورأوا في غفلة أن قراءتهم للساحة صحيحة وأن الأرضية مهيأة لـ «الثورة». ما يحدث للناس بكل فئاتهم اليوم هو نتيجة فعل أولئك وعدم تقديرهم للأمور واستسلامهم لأحلام اليقظة التي هي سمة المراهقين.
أبداً، لا يمكن توجيه اللوم إلى أولئك البسطاء من أمثال ذلك الذي اعتنق الحماقة فكاد يورطني في حادث ونجح في تعكير مزاجي، وغيره من الأفراد الذين ربما يرتكبون في يومهم الواحد أكثر من حماقة، فهؤلاء ضحية لفعل أولئك الذين ظلوا في الظل ودفعوا بالبسطاء إلى الشمس وإلى مواجهة غير متكافئة مع نظام يتمتع بالخبرة السياسية والكفاءة والقوة.
مؤلم ما يحدث من سلوكيات بات سببها معلوماً، فالهزيمة دائمة صعبة، وما يعيشه أولئك المحسوبون بشكل أو بآخر على أصحاب القراءة غير الدقيقة من شعور بالهزيمة بسبب الضربات المتتالية على رؤوسهم في مختلف الميادين من شأنه أن يعود بأضرار كبيرة على المجتمع، وهي أضرار ليست محصورة في تلك السلوكيات «الشوارعية»، ما يستوجب التفكير في منح أولئك «انتصارات» وإن كانت صغيرة يفرحون بها بغية استرداد توازنهم!
ليست نكتة، لكنها أمور يدركها دونما شك العاملون في مجال علم النفس.
{{ article.visit_count }}