جاءني من يحمل لي خبر تعرضي للنقد، فقد قال لي صديق إنه قرأ موضوعاً نشر على أحد المواقع الإلكترونية ينتقدني. فقلت على الفور وماذا في ذلك؟ هذا حق يمكن أن يمارسه كل من يقرأ ما أكتب، فما أكتبه يظل ملكي طالما لم ينشر لكنه يصبح ملك الآخرين فور نشره، يقبلونه أو يرفضونه، يشيدون به أو ينتقدونه. صديقي أضاف أن ما قرأه كان فيه شيء من القسوة ولعله يتضمن إساءة لي ونصحني بقراءته. قلت هذا أمر لا يزعجني ولا يفسد الود بيني وبين الآخرين، فليكتبوا ما يشاؤون عني ويكفيني أن ما أكتبه يعبر عن قناعاتي التي لا تتفق بالضرورة مع قناعات الآخرين دون أن يعني هذا أنني بالضرورة على صواب. ومع هذا قرأت الموضوع، كان بالفعل قاسياً ويتضمن كلاماً لعل البعض يعتبره شتيمة، لكنني لم أنزعج من ذلك، فهو في كل الأحوال اعتبرني واحداً من “المثقفين الخليجيين” وهذا جانب مضيء في الموضوع (فعندما يتم تصنيفي على أنني أحد المثقفين على مستوى الخليج فهو أمر مفرح.. ويسرني) يتبعه جانب مفرح آخر هو أن من كتب انضم إلى قائمة قرائي.. وهذا أمر طيب ذلك أن من الأمور التي تفرح أي كاتب اتساع شريحة قرائه! وهذا جانب مضيء آخر في الموضوع! ما يهمني التأكيد عليه هنا هو أنه لا أحد فوق النقد وأن من حق من يقرأ أن ينتقد الذي كتب وأن يتخذ منه موقفاً، إيجابياً كان أم سلبياً، وأن يعلن ذلك على الملأ، لكن أمراً مهماً ينبغي ألا يغفله كل من يمارس النقد هو عدم تجاوز الأعراف والتقاليد وعدم الدخول في مساحة فقدان الوعي بتوجيه الشتائم والسباب، دون أن يعني هذا أن الموضوع الذي أعلق عليه هنا قد تجاوز كاتبه بالضرورة حدوده رغم قسوته. ما يهمني التأكيد عليه أيضاً أن النقد مفتوح على الجميع بغض النظر عن مراتبهم الاجتماعية باستثناء الذات الملكية وما توافق عليه المجتمع من أعراف. فالنقد مثلاً لا يطال رجل الدين في ممارساته الدينية، ولكنه يطاله إن دخل في مساحات أخرى كالسياسة، فرجل الدين إن صار فاعلاً في مجال السياسة صار من حق الناس أن ينتقدونه وصار من حقهم أن يقبلوا ما يقول به أو يرفضونه، دون أن يعطيهم هذا حق التعرض إلى شخصه حيث الناقد يتناول المادة موضوع الحديث وليس الشخص (وهذا ما تؤكد عليه القوانين ذات العلاقة). بالمقابل، فإن أنصار رجل الدين الداخل في مساحة السياسة ينبغي ألا يتحسسوا من انتقاد رجلهم الذي هو في الغالب قدوتهم ويعتبر بالنسبة لهم “خطاً أحمر” لأنه ببساطة لا يكون خطاً أحمر ولا أصفر طالما أنه قرر الدخول في السياسة. كل عمل يتعرض للنقد -وبالتالي كل فاعل لذلك العمل وإن كان فعله مجرد قول- معرض للنقد، فلا شيء فوق النقد ولا أحد فوق النقد. بالتأكيد ينبغي على الناقد ألا يتجاوز الحدود والأعراف وألا يتناول صاحب الفعل أو القول بالسوء، فالاختلاف لا يكون مع الشخص ولكن مع ما قاله أو فعله. فعلى سبيل المثال لا الحصر يعتقد البعض من أنصار الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان أن من ينتقدهما يتجاوز حدوده، وهذا غير صحيح، لأن الرجلين يشتغلان سياسة ولهما آراؤهما السياسية، ووضعهما هذا يعطي الآخرين حق انتقادهما كسياسيين وكدينيين يعملون في السياسة. من يعمل في السياسة، سواء كان رجل دين كبير أو كاتب صغير، عليه أن يتحمل “الراش” إذا صاده!