بغض النظر عمن بادر بترتيب اللقاء الذي جمع بين نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة ووفد من جمعية «الوفاق»، وبغض النظر عما أسفر عن ذلك اللقاء -الذي يبدو أنه ممهد للقاءات أخرى مقبلة- من نتائج فإن المبادرة مشكورة، وجاءت في وقتها، ولابد من تشجيعها، ذلك أن المرحلة التي وصلت إليها القصة البحرينية خطيرة، وتُنذر بانهيار مجتمع هو بمثابة أُسرة كبيرة، ظل أفرادها على مرمى الزمن متحابين. فإذا أضيف إلى الخطوة أن أحد طرفيها هو الشيخ محمد بن مبارك -الخبير وصاحب الباع الطويل في السياسة والعلاقات الدولية- فإن من الطبيعي أن يأمل الجميع منها خيراً سريعاً.
لا بأس أن تأتي الخطوة متأخرة، فالأهم هو أنها أتت، ويتوقع أن تثمر، وتكون أساساً للقاءات سريعة متتالية، يشترك فيها كل ذوي العلاقة، حيث ينبغي من الجميع أن يقدم تنازلات، ويتجاوز عن أمور لتبدأ الخطوة الفعلية الكبيرة، وهي خطوة ممكنة، فإذا وضعنا في الاعتبار أن استمرار الحال الذي صارت فيه البحرين يضر بالجميع، فإن المنطقي أن يشتغل الجميع سياسة، ويتركوا عنهم الميدان الذي لا يوصل إلا إلى العنف، ويوسع من الفجوة والجفوة بيننا.
من هنا كان طبيعياً تصريح الشيخ محمد بن مبارك بعد اللقاء مع وفد «الوفاق»، حيث أكد على «أن أي تطور سياسي لن يكون تطوراً حقيقياً دون أن يشمل الجميع في إطار من الشفافية ومن خلال المؤسسات الدستورية.. مع ضرورة التأكيد على مبدأ التوافق والانفتاح على الآخر».
ومن هنا أيضاً كان تنويه الشيخ محمد بن مبارك بما يقوم به وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف «في دفع التفاهمات السياسية بين الجمعيات السياسية من أجل إيجاد أرضية مشتركة تضم جميع الأطراف» حيث يبذل الشيخ خالد بن علي آل خليفة جهوداً كبيرة في هذا الصدد، عبر لقاءاته المتسارعة مع الجمعيات السياسية، وعبر تأكيده دائماً على أن الحوار ينبغي أن يكون مفتوحاً، ومن دون سقف ومن دون شروط مسبقة.
ومن هنا «أيضاً «تبرز أهمية دعوة وزير العدل الجمعيات السياسية» إلى بدء حوار في ما بينها ليتم التوافق على مرئيات معينة تساعد على لم اللحمة الوطنية وتكوين رؤى سياسية تساعد على التقليل من حجم الأزمة السياسية التي عاشها البلد».
خطوات جميلة تتلاحق تبشر بخير آتٍ تستحقه البحرين، ينبغي ألا يسمح معها لكافة الأطراف بتكبيل نفسها وتكبيل العملية، بشروط تشبع غرورها، ولكن تضر بالوطن حيث الوطن هو الأهم، وحيث تقديم أي تنازلات لصالح الوطن لا يعتبر تنازلات، وليس تراجعاً عن مبادئ. لكن هذه الخطوات أيضاً تتطلب الإجابة عن بعض التساؤلات المهمة كي تكون الأمور «بياض»، لعل أبرزها تساؤل وزير العدل عما إذا كان ممكناً بدء الحوار في ظل استمرار علميات التخريب؟ ذلك أن مصير أي حوار يتم في ظل المواجهات اليومية التي ترهق الجميع وتقلق وفي ظل الآلام التي تنتج عنها لا يمكن إلا أن يكون فاشلاً.
من هنا يتوجب على الجمعيات السياسية القيام بخطوتين مهمتين، الأولى هي الاتفاق والعمل معاً من دون حساسيات بغية تحقيق هدف وطني بحت، والثانية إبعاد الشباب ومن يقودهم -ممن أثبتوا أن علاقتهم بالشأن السياسي كعلاقتي بالعزف على الآلات الموسيقية- عن هذه العملية، ووضع حد لهم بتهميشهم وبمنعهم من القيام بأية حماقة تخرب ما يتم بناؤه. لكن هذا يقود إلى تساؤل مهم هو إلى أي مدى يمكن للجمعيات السياسية وعلى رأسها «الوفاق» التي عبرت عن رغبتها في الوصول إلى حل سياسي بطلب اللقاء مع نائب رئيس الوزراء أن تمنع أولئك من العبث بمستقبل البلاد؟