انتهت العطلة الصيفية، وها هي الإدارات التعليمية عادت إلى مكاتبها ومدارسها، ونحن اليوم في انتظار أن يعودوا الطلبة إلى مقاعد الدراسة.
لطفاء هم الأطفال بزي المدارس، وما أروعها من لحظات بريئة حيث يسير الصغار نحو طلب المعرفة، والتفكير في بناء المستقبل.
أي مكان غير المدارس يتجه له أطفالنا، يعتبر مكاناً غير شرعي وغير لائق على الإطلاق، فالأطفال ليس لهم سوى المكان المخصص للدراسة واللعب وحضن الأم والرعاية الكاملة داخل المنزل. هذه حقوق نصت عليها كافة المواثيق الدولية لحقوق الطفل والإنسان عبر الأمم، كما أكدت عليها كل الشرائع السماوية والأرضية، فأطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض.
يجب أن تدفع كل القوى السياسية بهذا الاتجاه، كما يجب عليها أن تدفع الصغار على الالتزام بالحضور الإلزامي في المدارس، والأهم من كل ذلك، هو أن تمنعهم من الذهاب إلى عوالم أخرى ومناطق أخرى غير الحرم التعليمي.
يكفي أن نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا، وأن نكون أكثر وعياً باستخلاص التجارب فيما مضى، وأن نقرّ بالحق، معترفين بأن إقحام الصغار في السياسة لم يكن أمراً صحيحاً أبداً، وأن السياسة لها رجالاتها، وعكس ذلك، يجب أن يكون محرماً شرعاً وقانوناً وإنسانياً.
أيام معدودات ويعود صغارنا لمقاعد الدراسة، ومقاعد الدراسة لا تعني المدارس فقط، بل هو الزمن الممتد من بداية العام الدراسي حتى نهايته، وهذا بكل تأكيد يشمل الفترة الصباحية كلها والفترة المسائية كلها أيضاً، وأي طفل نجده خارج العملية التعليمية وخارج وقتها فإننا يجب الأخذ بيده وإرجاعه فوراً للمكان الآمن له ولمستقبله.
حين نتحدث عن الأطفال، فإننا يجب أن لا نخلط بين حقوقهم وبين الحقوق السياسية والمدنية للمجتمع، بالرغم أن هذه الفئة هي من أهم فئات المجتمع، لكنها في الغالب، عادة ما تكون كبش فداء لمصالح الكبار، ولأنها الحلقة الأضعف في المجتمع، فهي دائماً ما تتحمل صراعاتهم وتضاد مصالحهم.
إذا لم يستطع كبار السياسيين أن يتوصلوا إلى حل مقنع لأزماتهم السياسية وغيرها في البحرين وحتى في غير البحرين، هل بإمكان طلبة المدارس أن يفعلوا ذلك؟. صحْ، ربما يستطيعون أن يطالبوا بحقوقهم إذا كانت حقوقهم منقوصة، لكن ذلك لا يكون إلا عن طريق الكبار أيضاً. صحْ، ربما يستطيعوا أن يشاغبوا ويحدثوا “دوشة” وكثير من الإرباك في أوساط المجتمع والدولة، لكن هذا ليس هو الحل الأمثل في عالم السياسة وتضارب المصالح وفرض الأجندات، ومن هنا نصرّ على أن يكون المكان الأمثل للصغار هو مقاعد الدراسة والالتزام بحضور الدروس ومتابعتها بعد عودتهم إلى الدراسة، أما حين يكبروا والحال لم يتغير بالنسبة لهم، فإن لكل حادثة حديث.
نتمنى أن يلتزم الصغار وأولياء الأمور والجهات المربية في المجتمع ومعهم كل القوى السياسية، في الحفاظ على هذه المبادئ، كما عليهم اليوم أن يضغطوا باتجاه بقاء الأطفال في حاضناتهم الأساسية “المدرسة/البيت”، وأن يوفروا عوضاً عن ذلك كل أسباب الراحة لهم ولمتطلباتهم الدراسية.
لا نريد صغاراً يتحملون صراعنا ومعاركنا السياسية، لا نريد صغاراً يحملون المولوتوفات، ولا نريد لصغارنا أن يصابوا فيموتوا في الشوارع، كما لا نريد لصغارنا أن يعيشوا خلف قضبان السجون، نحن لا نريد لصغارنا أن يتسنموا المنصات السياسية ليخطبوا فينا، بل كل ما نريده لهم هنا، أن يبقوا ليعيشوا مصانين في أنفسهم ومستقبلهم، وأن ينجحوا في حياتهم التعليمية والعملية ليبنوا وطنهم ويحفظوا ترابه وخلوده، أما حين يكبروا فإننا نطمع أن نجدهم إخوة متحابين، كما كان أباؤنا وأجدادنا، أما نحن فإننا غسلنا أيدينا في الأمل المتبقي من جيل خرج عن طريق سكته وفطرته، إلى حيث المجهول، ولهذا فإننا سنظل نقاتل في سبيل الحفاظ عليهم، ولكي نراهن على أطفال اليوم، أمل الغد، لابد أن نحبهم قبل كل شيء.
المتاجرون بالأطفال أينما وجدوا في العالم، يزعجهم حديثنا هذا، وتؤلمهم صراحتنا، لكنه بوح الكلام الذي لا يمكن أن يموت وهو الذي يعيش في أعماق صدورنا ومقدمات حسراتنا، وليقولوا بعدها ما يقولوا.