وصلتني رسالة نصية قبل أيام، من إحدى المؤسسات الخيرية بمناسبة قرب العام الدراسي الجديد، يقول المسج “نستقبل الأطعمة والمأكولات المتبقية من حفلات الزواج والفواتح والمناسبات الأخرى، شريطة أن تكون نظيفة ومحفوظة بطريقة سليمة، كما نستقبل للعام الدراسي الجديد، الملابس المدرسية شبه الجديدة، والقرطاسية والحقائب المدرسية الجديدة إذا لم تكونوا في حاجة إليها، كذلك نستقبل المساهمات والتبرعات المالية، لتوزيعها على العوائل الفقيرة التي لا تستطيع أن تغطي مصاريف العام الدراسي الجديد، وكذلك طلاب الجامعات”.
ربما وللوهلة الأولى، يعتبر هذا المشروع الخيري انطلاقة جيدة لمساعدة الأسر المحتاجة، وفي ذات الوقت، يعتبر ترشيداً لعمليات استهلاك المجتمع غير المنضبطة. هو فعلاً كذلك، ونحن في المقابل لا نشك في نوايا القائمين على هذا المشروع الخيري للتخفيف من الأعباء المادية للأسر الفقيرة.
لكن ومن وجهة نظري، ربما أجد عبر هذا الإعلان، أن هنالك ملاحظات تتجاوز قضايا المساعدة، يجب الوقوف عليها ومناقشتها بدقة.
إن أهم ما يمكن لنا مناقشته هنا، هو في سوء الاستهلاك المجتمعي لكافة أشكال المواد الاستهلاكية، وعلى وجه الخصوص “الأطعمة والأشربة”، فنحن في الخليج العربي، نعتبر من أسوا شعوب الأرض تعاملا مع الغذاء وغيره من المواد الاستهلاكية الأخرى، ففي كل مناسبة وفي كل يوم، ترمي الأسر الخليجية آلاف الأطنان من الأطعمة الصالحة للأكل في القمامة، بينما هنالك أُسر في هذه الدول من يبحث بعض أفرادها عن كسرة خبز يطعمون بها صغارهم.
في غالبية المناسبات الدينية ومناسبات الأفراح والأحزان، وأمام أعيننا تُرمى عشرات الأطنان من الأطعمة إلى مكبات النفايات، هذا ناهيك عن كل النفايات التي ترميها الأسر البحرينية، خارج نطاق المعدة.
أطفالنا في كل عام يتباهون بحقائبهم المدرسية وبجودتها وموديلاتها، ويتفاخرون بروعة تصاميم أقلامهم وأحذيتهم، بينما تعاني أسر بحرينية من عدم تمكنها من استكمال مستلزمات أدوات المدرسة لصغارهم.
الأكل والشرب واللباس والسيارات والنظارات والأحذية والمسكن وكل الكماليات الأخرى، تحولت في مجتمعنا إلى نوع من أنواع التفاخر والتباهي و«الفشخرة” بين أفراده، حتى صرنا نرميها بعد استخدامٍ واحدٍ إلى المزابل، وهذا يعتبر من أبشع أنواع نكران النعم، وعدم شكر المنعم.
لو كل فرد من أفراد المجتمع، ولو أن كل جماعة من هذا الشعب، حافظوا على ما لديهم من نِعَمٍ لما وصل بنا الحال، أن تقوم جمعية خيرية باستجداء أطعمة لطلاب المدارس من الأعراس والفواتح والمناسبات قبل رميها في أكياس القمامة!!
إن عدم التوازن في قضايا الصرف والاستهلاك، ينم عن ضعف وعي المجتمع، أو يدل أيضاً على استهتاره بالقيم الإنسانية والدينية، يكون كل ذلك السُّوء في الوقت الذي تبحث بعض الأسر البحرينية عن لقمة عيش نظيفة وقماش يسترها من الحاجة إلى الناس.
ليس هنالك من دين حثَّ على التكافل والتراحم كالدين الإسلامي الحنيف، لكن ليس هنالك من أهان كل تلك القيم العظيمة كما أهانها المسلمون.
الرسول الكريم يقول “اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم”، بينما نحن وصلنا إلى مرحلة الترف المعيشي، ما جعل قلوبنا كالصخر، ومن دون رحمة، قمنا نرمي نعم الله في الشوارع، مع علمنا اليقيني بوجود من يحتاج لكل تلك النعم من أبناء وطننا، لكن قيل قديما “إذا لم تستح فافعل ما شئت”، وإن كنتم لا تخافون أحداً، فخافوا من يوم تقفون فيه بين يدي الله تعالى، يسألكم عن نعمه كيف رميتموها من دون وخز ضمير في المزابل، وبينكم أخوة لا يملكون لأطفالهم قطعة قماش ولقمة عيش.
من جهتها، يجب على الدولة أن تقوم ببرامج توعوية لأبناء المجتمع، وأن تقوم من جهة أخرى بمتابعة أوضاع الأسر الفقيرة لتلبية متطلباتها، وذلك عبر برامج وخطط ودراسات ميدانية، لمعرفة من يحتاج منهم إلى الدعم والمساعدة، حتى لا ينام فرد مــن أفـــراد المجتمــــع وهو جائـــع