كل ما يحصل اليوم في البحرين نتيجة لآلية غير صحيحة في التعامل مع الإرهاب، بل نتيجة لطولة البال غير المبررة، وسعة الصدر غير المفهومة مع من يمارس التخريب اليومي في الداخل والتشويه الدائم لسمعة البحرين في الخارج.
أتذكر دائماً القول الشهير: «إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا»، وما وصلنا إليه نتيجة لإكرام «اللؤماء» بحق هذا البلد بمنحهم الفرصة تلو الأخرى علهم يصححون المسار، فما زادهم ذلك إلا تعنتاً وغطرسة وظناً بأن الدولة ضعيفة في التعامل، بالتالي تضاعف الإرهاب وزاد التحريض ووصلنا لمرحلة تضرر فيها اقتصاد البلد بشكل غير مسبوق.
كنا نطالب الدولة بالتحرك الصارم تجاه التحريض أولاً ثم الإرهاب ثانياً، باعتبار العامل الأول هو المسبب للثاني، ومن منطلق أنك حينما تترك من يواصل اللعب في عقول الناس ومن يدفعهم للتصادم مع رجال الأمن عندما يحرضهم بقوله «اسحقوهم» دون مساءلة قانونية، وحينما تقبل بأن تتحول جمعية سياسية إلى جمعية إرهابية بامتياز وفق اعتبارات حرية الرأي والتعبير التي استغلوها وحولوها لغطاء لأعمال التخريب والعنف، فإنك لن تجني من وراء هؤلاء إلا الدمار والفوضى لا الهدوء والاستقرار.
من راهن على الحوار باعتباره مخرجاً فهو ينظر لنصف الصورة، إذ لا فائدة من وراء حوار في جهة بينما الجهة الأخرى تشتعل بفعل أعمال التخريب ورمي المولوتوفات وتحشيد الناس للهتاف بمعاداة النظام وتسقيط رموزه ويقودها من يريدون الجلوس على طاولة الحوار أنفسهم!
إن كنتم تريدون الانتقال من مرحلة إلى أخرى انتقالاً مؤثراً وحقيقياً فلابد قبل ذلك إنهاء كل الفوضى الحاصلة على الأرض، والتي لن تنتهي إلا عبر تطبيق القانون دون أية استثناءات، وحينما نشير للاستثناءات هنا نعني من مازال يمارس التحريض من على المنابر دون حتى مساءلة ومن مازال يحرض ويدعو لتجمعات مناهضة تقام حتى لو لم تحصل على الترخيص المطلوب، ومن مازال يبث أخباراً كاذبة ومغلوطة، دون أن يمتثل لحكم القانون.
كلنا نعرف من أين يبدأ التحريض ومن هم مصدروه، والدولة تعرف ذلك تماماً، لكن أين هي الإجراءات الرادعة، والتي لا تنطلق من منطلقات فردية أو بحسب رؤى واجتهادات شخصية، بل من منطلق القانون الذي يفترض أن تعمل به البلاد؟!
ليست هي إجراءات أبداً أن تخرج قوات الأمن فقط لتحد من انتشار وتوسع نطاق المسيرات غير المرخصة أو حد خطر عمليات التخريب والإرهاب وحصرها في مناطق معينة، بحيث لا تتمدد وتضر بحياة الناس وبسلامتهم. هذه إجراءات وقائية لا تسفر عن انتهاء هذه الظاهرة، بل الإجراءات المطلوبة هي التي ينص عليها القانون بحيث من يمارس الإرهاب يعاقب بما ينص عليه القانون دون تراخ أو مواربة.
احصوا الأضرار التي طالت البحرين، فعلى صعيد حياة الفرد افتقد الناس الأمان بسبب هذا الإرهاب، حياتهم أصبحت مقيدة وهاجسهم بات رهينة القلق والخوف. مرافق الدولة تضررت، وكلما أصلحتها الدولة طالتها أيادي التخريب دواليك دواليك. الاقتصاد انهار ووصل لمرحلة دفعت رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال إلى الحديث بحرقة ومناشدة الدولة التدخل لوقف هذا الإرهاب المنفلت.
الصبر على هؤلاء والتعويل على «تفضل حضرة الجمعية الإرهابية الوفاقية الطائفية الإيرانية الولاء» بقبول الدخول في الحوار، كلها أمور لها ضريبتها التي تأتي على حساب الوطن والمواطن واقتصاد البلد ومستقبل الأجيال القادمة.
ما يفعله هؤلاء الانقلابيون واضح وجلي حتى لـ»فاقدي البصر»، هم لا يريدون التهدئة أبداً، والحديث بشأن الحوار ليس سوى كسب وقت وأسلوب مماطلة، بل هي جولة لن تنتهي بشكلها الصحيح، إذ بالتأكيد ستشهد انسحابات وطعوناً في جدوى الحوار، هم فقط يريدون استعادة الشرعية من قبل الدولة، باعتبارهم طرفاً يجب وجوده على أية طاولة حوار.
على الدولة قبل أن تقدم على أي خطوة في شأن المصالحة وإعادة اللحمة أو الحوار، أن تثبت لمواطنيها المخلصين أولاً قبل غيرهم أنها قادرة على مسك زمام الأمور في البلد، وأنها قادرة على تطبيق القانون على كل من يخالفه، وأن الإرهاب يظل العدو الأول الذي يجب قطع دابره باعتبار أن هناك فرقاً شاسعاً بين ممارسة حرية التعبير وممارسة حرية «التحريض والترهيب».
انظروا كيف كانت حالة البلاد حينما عاد لها النظام وطبق القانون بدون تهاون في «السلامة الوطنية»، انظروا كيف ولى المحرضون الأدبار وعادوا للاختباء في جحورهم، وتحولت نبرات التحدي وشعارات التسقيط لدعوات وطلبات بالسماح والغفران تحت مسمى التصالح والتعايش، مع نكران قيامهم بالجرائم التي اقترفوها، لكنهم عادوا حينما عادت الدولة للتهاون في تطبيق القانون، ولفتح باب لهم ليدخلوا مجدداً للمنظومة التي خرجوا منها بإرادتهم ورفضوا معها كل مبادرات تهدئة الوضع. هم فعلوا ذلك لأنهم ظنوا بأن سقوط البحرين سيكون خلال ساعات بالتالي لا معنى للجلوس حتى للاستماع لما يقوله النظام، ولا أهمية لقبول مبادرة ولي العهد حينها.
يمكن لأوضاع البحرين أن تستقر بسهولة، لا عبر فرض القوة وإعلان حالة طوارئ أو سلامة وطنية، بل بمجرد تطبيق القانون على كل مخالف دون النظر لاعتبارات أخرى أو حسبات معينة، ودون إدخال تطبيق القانون في متاهات اللعبة السياسية أو افتراضات بشأن نجاح مفاوضات هنا أو حوارات هناك.
القناعة لابد وأن تكون ترسخت اليوم بأن هؤلاء لا يريدون للبحرين أن تهدأ على الإطلاق، لا يهمهم حوار أو تغييرات أو مكاسب، بل يريدون تغيير هذه البلد بنظامها ورموزها وحتى شعبها المخلص بأطيافه المختلفة المخالف لهم في توجهاتهم الانقلابية.
إن كان ما فهمناه أمس بشأن الاجتماعات التي حصلت بين التجار والحكومة، إضافة لتصريحاتهم التي تشير لتضرر الاقتصاد بشكل خطير وفادح، وما لذلك من تأثير مخيف على أوضاع الناس، بأن الدولة ستتحرك بجدية بشأن تطبيق القانون ورفض القبول بأن ترتهن هذه البلد أكثر للإرهاب، فإن هذه بادرة طيبة، وخبر يفرح المخلصين لتراب هذه الأرض.
يبقى بالتالي انتظار التطبيق الصارم للقانون، يبقى الضرب بيد من حديد على كل من حلت له هواية التلاعب بأمن البلاد وأهلها.
البحرين دولة مستقلة لها قوانينها حالها كحال جميع الدول، بالتالي لا يجب عليها أن تتأثر بتدخلات خارجية من هناك، وتصريحات نشاز من هنا حتى لو كان أصحابها شخصيات اعتبارية ويتبؤون مناصب في مؤسسات هنا وهناك، إذ الشعب المخلص هو الذي يعاني اليوم من هذا الإرهاب، وهو الذي يعاني من سكوت الدولة إن كان ذلك نتاج التأثر بضغوطات من الخارج.
الإرهاب في البحرين بلغ مبلغاً لا ينبغي السكوت عليه، بالتالي نأمل أن يمثل يوم الأمس منعطفاً حاسماً في أسلوب التعامل مع الفوضى والتخريب والتحريض، إذ يكفي ما وصلنا إليه، يكفي وصول دولة بأكملها لتكون رهينة «للإرهاب»، وهو الواقع على أرض الواقع حتى لو نفيناه مرات ومرات.
أعيدوا الأمان للبلاد والعباد، وحاسبوا المخطئ بالقانون، ويكفي ما تحصل عليه الانقلابيون من فرص متوالية لم يستفيدوا منها، لأن هدفهم ليست أجزاء كبيرة من الكعكة، بل الكعكة كلها.