يبدو الارتباط جليّاً بين التفكير المرتهن إلى إرادة القيِّمين على المذهب أو أبنائه أو مريديه، ولجوء الشاب أو المراهق إلى الوسائل غير السلميّة أو غير العقلانية، بأقل تقدير، لحلّ الخلاف في الرأي؛ وعموماً، فقد أثبتت الوقائع التاريخية المريرة التي عاصرتها الشعوب قاطبةً أن محاولات تسوية المشكلات عبر استخدام القوة المفرطة لم تنتج سوى المزيد من الضحايا والآلام.
وعلى الصعيد التربوي والنفسي، يمكن أن يلحظ المرء علاقةً طرديةً قويةً بين تسلّط الأب في المنزل، واستفراده بالرأي، وتعصّبه لوجهة نظره «السديدة دوماً وأبداً» من ناحيةٍ، وميله لفرض إرادته على أفراد الأسرة، وتكريس هيبته بصفته «رب البيت» عن طريق القوة العضلية، من ناحيةٍ أخرى، حيث تبرز في هذه الحالة الصلة الوثيقة بين هشاشة التفكير الضيِّق وضحالته، والرغبة العارمة في فرض هذا النمط من التفكير بالذات على الآخرين قسراً، سواءً شاءوا أم أبوا.
إن خطورة مثل هذا النمط من التربية الأسريّة تتمثل في تكريس الاستبداد نهجاً مثالياً لإدارة الخلافات، وقيادة «المركب الأسري» نحو مرفأ الأمان، فمثل هذا الأب لن يترك الفرصة لأيٍّ من أبنائه كي يدلي بدلوه في الموضوع قيد المناقشة، خصوصاً إذا كان موقف الابن مغايراً لموقفه الشخصي، وهو يفعل ذلك من منطلق «محبّته» لأبنائه، «وخوفه على مستقبلهم»، باعتبار أن عصيانهم لأوامره كفيل بهزّ «أركان» الأسرة، وتقويض دعائم الاستقرار العاطفي في المنزل، لأن انشغال المعيل الأساسي بالمشكلات التي يستثيرها أحد أبنائه «المشاغبين» سوف يصرفه عن التفكير في كيفيّة تدبير احتياجاتهم المادية، ويقحم أفراد الأسرة في مناوشاتٍ لفظيةٍ بين بعضهم البعض قد تتطوّر لاحقاً إلى تشابك بالأيدي، مما قد يؤثر في شعورهم بالأمن والأمان.
وهكذا يتضح أن خيار اللجوء إلى القوة قد يكون، في بعض الأحيان، وسيلةً مؤقتةً لحلّ الخلافات، لكنه لن يكون، في أيِّ من الأحوال، أسلوباً عقلانياً فاعلاً، بمعنى أنه لن يحقِّق النجاح المأمول في ظل المتغيّرات التي قد تبدِّل مسار العلاقة بين أفراد المجتمع، والذين اعتادوا على تسوية مشكلاتهم بالكلمة الطيبة، وآثروا الحكمة والتسامح والتعاضد سبيلاً للعيش المشترك!