من الملاحظ أن البعض صار يردد أخيرا كلاما مفاده أن التعايش بين جناحي هذا الوطن (الشيعة والسنة تجاوزا) صار معدوما، وأن عودة الأحوال إلى ما كانت عليه صعبة بل مستحيلة. مثل هذا القول يمكن للمرء أن يسمعه اليوم من مواطنين عاديين يشعرون بالأسى ويتألمون للحال التي وصل إليها هذا الوطن الذي لا يستحق ما جرى ه ولا يزال، لكن هؤلاء يرددون هذا الكلام بصيغة التمني أن يحدث عكس ما يقولونه، فهم يتمنون ويأملون أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه وأن تلتئم الجروح وتعود المحبة بين الناس في هذا الوطن إلى سابق عهدها إخوانا بحق وحقيق.
القول نفسه تردده المدعوة بـ «حركة أحرار البحرين» ومقرها في الخارج ولكن بصيغة أخرى وبأمنية مختلفة؛ حيث تردد هذه الحركة منذ فترة قولها إنه «لم تمر في تاريخ البحرين مرحلة كهذه» تلاشى «فيها أي أمل بإمكان التعايش بين الطرفين»، والمقصود بالطرفين هنا السلطة و»المعارضة» وهي في النهاية السنة والشيعة باعتبار أن من يحارب السلطة اليوم هم المحسوبون على طرف واحد.
ترديد هذه الحركة -وغيرها من الحركات التي تسايرها- لهذا القول الذي يفهم منه أن الباب قد أوصد أمام أي عودة للتعايش المشترك الذي هو قدر البحرين وأهلها لا بد أنه يرمى من ورائه إلى أمر، ذلك إن الاستمرار في تأكيد هذه المقولة حتى بات البسطاء من المواطنين يرددونها دون وعي يعني أن المراد ترسيخها في الذاكرة للاستفادة منها لاحقا في خطوة لن يكشف عنها الآن، وإلا ما الذي يجعل هذه الحركات تردد مثل هذه الأقوال التي يعرفون أنها في كل الأحوال لن تفهم على أن أحد طرفيها هو السلطة؟
هذا أمر ينبغي الحذر منه، فقدر هذا الشعب أن يتعايش أبناؤه رغم كل اختلافاتهم وخلافاتهم، عاشوا أخوة متحابين وسيستمرون أخوة متحابين، وبالتالي فإن الصحيح هو الترويج للفكرة المعاكسة لهذه الفكرة السلبية، وهي أن كل ما حدث ويحدث وربما يحدث مستقبلاً، ينبغي ألا يؤثر على التعايش فيما بيينا، فنحن في كل الأحوال أسرة واحدة، ومن الطبيعي أن تحدث في الأسرة -أي أسرة صغرت أم كبرت- خلافات واختلافات تصل أحياناً إلى حد التناحر وتلامس الدائرة المغلقة ثم ليعود أفرادها بعد قليل وكأن شيئاً لم يحدث.
رب قائل إن هذا الكلام يدخل في دائرة العواطف وإنه بعيد عن الواقع الذي يقول إنه «فات الفوت» وأن الشرخ الكبير الذي حدث لا يمكن أن تعود معه الأحوال إلى سابق عهدها، لكن الرد على هذا القول بسيط، ملخصه أننا شعب متعلم يمتلك الكثير من الخبرات الحياتية التي تؤهله للملمة جراحاته ورمي كل ما حدث وراء ظهره. كما إننا في كل الأحوال شعب متدين وإننا مارسناه عبر مذاهب وطرق مختلفة، أي أن أساسنا قوي والمساحة المشتركة بيننا واسعة ولها أرضية صلبة.
ليس صحيحاً أبدا القول إن هذا الطرف عاش لحظات فرح بسبب تألم الطرف الآخر، فالعكس هو الصحيح. في البحرين ليس بيننا من فرح لموت أي شخص مهما تطرف في اتخاذ موقف منه، فللموت عند أهل البحرين كلهم قدسية ولا يمكن لأي بحريني أن يشمت في موت الآخر وإن اختلف معه في الفكر بل حتى في الدين.
ما بين شعب البحرين بأطيافه الكثير من المشتركات التي تدحض فكرة أن أمل التعايش «بين الطرفين» تلاشى وأنه لم يعد بالإمكان عودة الأحوال إلى ما كانت عليه. إنها فكرة يتم الترويج لها لأسباب بعضها مجهول.