رأيك أطلق له العنان مادام مجرد “رأي”، وحقك الدستوري والإنساني يقر لك ألا حدود لرأيك؛ إلا من بضعة ضوابط محدودة جداً اتفقت عليها معظم قوانين دول العالم الديمقراطي.
إنما “المعلومة” غير الرأي؛ والمعلومة لا علاقة لها “بالرأي” وهي خاضعة لمليون ضابط وضابط وفي كل دول العالم.
المعلومة هي وقائع هي حقائق، هي أمور ملموسة، فلا تستطيع أن تذيع أن “زيداً قتل عمرو” ثم تقول هذا رأي، تلك معلومة تحمل اتهاماً ملزم أنت بتقديم بينة عليها، وإلا تكون قد ارتكبت جرماً يعاقب عليه القانون، كل القوانين تعاقب على نشر وإذاعة معلومات خاطئة، خصوصاً إن كانت بها اتهامات لجهات أو أفراد.
يقول المرزوق إن التحقيق الذي أجرته النيابة معه بسبب أن له “رأياً” مختلفاً عن “الرأي” الرسمي في رواية وفاة الشاب عباس، وأن من حقه الدستوري قول ما يرى، ونسي أو تجاهل أو تعمد التضليل -كالعادة- بأن ما قاله مجموعة “معلومات” وليست “آراء”، وفي المعلومات إما أن تقدم دليلاً عليها أو تعتبر إذاعتها جريمة، فلا يحق لأحد أن يتهم المرزوق مثلاً بقتل الفتاة “زهرة”؛ تلك التي قتلت بالسيخ في رأسها ما لم يقدم دليلاً على وجود المرزوق في موقع الجريمة ويستند قوله لشهود عيان أو تكون لديه إثباتات تسند ما قاله من معلومات، ولا يحق لمن اتهم المرزوق بقتل زهرة أن يبرر فعلته لأن ذلك رأي وأن ذلك حقه الدستوري، فإن اتهمه ولم يقدم الدليل يجوز للمرزوق مقاضاة من ألقى بالمعلومات دون بينة.
إنما هكذا يتم تضليل الشباب وتعميم المفاهيم الخاطئة، أما المرزوق فيعرف تماماً الفرق بين الرأي والمعلومة، فالرأي مهما اختلفنا عليه لا يجرم إنما المعلومة هي “بينة” والبينة على من ادعى قاعدة قانونية إنسانية عالمية تطالب بها كل قوانين العالم.
اسأل المرزوق لماذا تجرم كل دول العالم مقدمي “البلاغات الكاذبة”؟ السبب لأن البلاغ “معلومة” وليس رأياً، أتعتقد أن أحداً يتعامل مع “المعلومة” كحق وله أن يطلقها من باب حرية تعبير؟
خطأ المؤسسات الرسمية أنها تركت العديد من الكذبة والمفترين أن يتمادوا في التلاعب في “المعلومات” حتى تمادوا فقدموا صوراً هي أقرب إلى أفلام الخيال للمجتمع الدولي عن البحرين، فما من زائر للبحرين اليوم ومطلع على أحوالها عن قرب إلا وقال إن ما نقلته وسائل الإعلام فيه الكثير من التضليل، وآخرها ما قاله نائب الأمين العام للأمم المتحدة، ترى من نقل الصورة الخاطئة والمعلومات المضلل؟
مع الأسف قام بذلك الفعل المقيت أطباء ومحامون ومهندسون وصحافيون ومثقفون كانوا يخلطون بين الرأي والمعلومة، منهم المتعمد ومنهم المنساق وراء الدفع الذاتي للفزعة، ولم تطالبهم الجهات الرسمية بإثباتات ولم تلاحقهم قضائياً لإذاعتها، رغم أن ذلك من حقها، بل إن العديد من الذين أسقطت عنهم دعاوى (التعبير) تنازلت الدولة عن حقها في مقاضاة من نشر معلومات كاذبة تخفيفاً للضغط الدولي حينها، وهذه هي النتيجة؛ تحولت الأكاذيب والافتراءات من معلومات خاطئة بلا أدلة إلى آراء، وأصبح نشرها حقاً دستورياً بعين وقحة لا تعرف الخجل.
اليوم لا بد أن تعود الحقوق الدستورية إلى وضعها الطبيعي، وعلى كل من يتضرر من نشر وإذاعة “معلومات” لا يستطيع ناشرها أن يثبتها أن يلاحقوه قانونياً، ولتمتلئ قاعات محاكمنا من هذه القضايا حتى تصدر الأحكام وتعيد رسم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي لتضع الخط الفاصل بين ما هي “المعلومة” وما هو “الرأي”، ونفرق بينهما بمذكرات تفسيرية ومبادئ وقواعد قانونية، حتى نعرف المعرف ونشرح المسلمات من جديد، بعد أن هتك الفطاحل عرض الحقيقة والصدق والأمانة بدم بارد، وحتى أصبح الكذب والافتراء والزور والبهتان قاعدة (نضالية) مشروعة ليس لها من رادع، و(ثقافة) يبثها الفطاحل من القيادات في عقول الشباب حتى حولتهم لقتلة وكذبة وممارسين لكل المحرمات تحت بند النضال والبطولات والمعارك.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}