يدخل الأردن مأزقاً حرجاً في هذه المرحلة، خزينة الدولة على شفا الإفلاس، والحكومة اتخذت تدابير اقتصادية قاسية، حيث ارتفع سعر المحروقات بنسبة 53%، ووصل سعر أسطوانة الغاز إلى عشرة دنانير أردنية أي ما يقارب ستة دنانير بحرينية!!، هذه الإجراءات يعجز أغلب المواطنين عن تحملها حتى مع ما أعُلن عنه من تعويضات للأسر ذات الدخل المتدني التي ستتضرر من التدابير الاقتصادية الجديدة. الحكومة أعلنت على لسان رئيس وزرائها عبدالله النسور أنها لن تتراجع عن قراراتها لأنه خيارها الوحيد، والمواطنون قرروا الاحتجاج وتصعيده والاستمرار فيه حتى يحدث الله لهم فرجاً، والجميع ينتظر كيف ستنتهي التطورات في الأردن.
يرى بعض الأردنيين أن الأزمة الحقيقية في الأردن ليست أزمة رفع أسعار مفاجئ ومرتفع؛ بل الأزمة الحقيقية من وجهة نظرهم هي أزمة سياسية، فانتخابات البرلمان تتعرض لعمليات تزوير لضمان وصول مجموعة من المتنفذين من أصحاب التوجهات غير الإصلاحية، والحكومات المشكلة لا تعبر عن نبض الشارع ولا تعمل وفق احتياجاته، وقد أفرطت في عمليات الفساد وبددت أموال الدولة ومقدراتها، الأمر الذي أوصل الأردن حافة الإفلاس وألزم المواطن الفقير دفع فاتورة كل الهدر الذي انجرف إلى جيوب المتنفذين.
رافق الاحتجاجات في أيامها الأولى أعمال عنف وشغب وحرق لمنشآت حكومية وخاصة عديدة، وسقوط قتيل واحد من المحتجين وعشرات الجرحى بين صفوف الدرك الأردني والمحتجين، وقيادات الحراك الشعبي الذي يتزعم الاحتجاجات يتبرؤون من استعمال العنف أو اللجوء إلى ضرب مقدرات الدولة، ويحملون «البلطجية» والدولة وجهات خارجية أخرى مسؤولية أعمال التخريب، ويعلن قادة الحراك أنهم ماضون في احتجاجاتهم واعتصاماتهم حتى لو تراجعت الحكومة عن إجراءاتها الاقتصادية، نتيجة أي سبب، لأن الوضع في الأردن وصل إلى الحد الذي يستدعي إصلاحاً جذرياً يحمي البلاد من الأزمات المتكررة التي أنهكت المواطنين وعطلت حركة التنمية.
هذا شأن الأردنيين في أزمتهم، وماذا عنا نحن في الخليج؟ كيف ننظر إلى الأزمة في الأردن؟ وما هي انعكاساتها علينا؟ وما هو دورنا تجاهها؟
بمعزل عن أسباب الأزمة في الأردن واتجاه حركتها، فإن الأردن بالنسبة لدول الخليج العربي، عامة، وللمملكة العربية السعودية خصوصاً، تشكل عمقاً استراتيجياً مهماً في الأمن القومي، فالأردن عمل طويلاً كسدادة أمان للمملكة العربية السعودية، فهو من تحمل تبعات سقوط النظام العراقي السابق واستقبل اللاجئين العراقيين، وهو من يتحمل تبعات الثورة السورية ويستقبل اللاجئين السوريين، والأردن صاحب أطول حدود مع الكيان الصهيوني وهو بمثابة منطقة عازلة تفصل الخليج العربي عن إسرائيل!.
إن دخول الأردن في حالة فوضى، لا قدر الله، لن تسلم دول الخليج العربي من آثاره الخطيرة، وربما سيتفجر الوضع في المنطقة كلها، فالفوضى التي تعج على حدود الأردن في العراق وسوريا قد تتسرب إلى الأردن وتتسرب معها عناصر من الجيش السوري والحرس الإيراني وعناصر من حزب الله، وهنا نشير إلى توجيه اتهامات من قبل وزير الداخلية وبعض قيادات الحراك الشعبي وبعض المواطنين إلى عناصر سورية اشتركت في أعمال الشغب والتخريب، فهل أرسل بشار الأسد عناصره لتبعث الفوضى في الأردن منفذاً بذلك تهديده أن أي ضرر ستتعرض له سوريا سوف يدخل المنطقة كلها في حالة فوضى؟، ثم إن دخول أي عناصر موالية لإيران إلى الأراضي الأردنية سوف لن تواجهه إسرائيل مكتوفة الأيدي، فلن تقبل إسرائيل أن تحاصرها إيران عبر حزب الله شمالاً وعبر الحدود الشرقية الطويلة مع الأردن!!، وهنا سيفتح ملف خطير في قضية الشرق الأوسط يصعب تصوره، هل ستدخل المنطقة في حرب كبيرة فوضوية داخلية ومشتركة مع إسرائيل؟ إن تفجر الوضع في الأردن لا يعني الأردنيين وحدهم، إنه يعني العرب والمستقبل العربي والأمن القومي العربي.
قد يبدو هذا السيناريو مبالغاً فيه وتهويلياً، ولكن.. من كان يتوقع المنزلق الدموي الطويل الذي انزلقت إليه الثورة السورية والفوضى المعقدة التي عمت الملف السوري؟ ولماذا ننتظر نحن الخليجيون النتائج دائماً؟ لماذا لا نفكر في الاحتمالات ونضع لها بدائل وقائية وحلولاً احترازية، إن دول الخليج بشكل عام دول مستقرة رغم وجود بعض القلاقل الأمنية في البحرين والسعودية، ورغم وجود أزمة سياسية كويتية، لكن نسبة الاستقرار في الخليج هي الأعلى نتيجة التركيبة السكانية المستقرة ونتيجة الوضع الاقتصادي المريح للمواطن، لكن الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية محاطة بحدود غير مستقرة في العراق واليمن وسوريا، وتلك مناطق أسهمت في ضعضعة الأمن القومي الخليجي، فلم تتحرك الخلايا النائمة في الخليج إلا بعد أن استحكمت إيران بكافة أذرعها في العراق، وبعد أن تمكن حزب الله من بسط قبضته على الدولة اللبنانية، وبعد أن زرعت إيران لها شوكة حادة في خاصرة السعودية وهم الحوثيون في اليمن، فهل ننتظر حتى يصل الاضطراب إلى الأردن وهنا يكتمل الطوق الملتهب حول دول الخليج العربي؟
هل مطلوب من دول الخليج العربي أن تقدم معونات مالية عاجلة للخزينة الأردنية لحمايتها من الانهيار؟ قد ينزع هذا الحل فتيل المأزق الحرج الذي تعانيه الأردن، لكن هل سيحل الأزمة السياسية التي انفتحت على المجهول؟ هل سيقبل الأردنيون حلاً مهدئاً ومرحلياً؟ لا أملك إجابة وحتى من سألتهم من الحراك الشعبي في الأردن لا يملكون إجابة قاطعة!!، لكن على دول الخليج ألا تستهين بالمأزق الأردني وألا تفرط في أمنها القومي، وأن تبحث تبعات أي تطور غير محسوب قد تنجرف إليه المنطقة، وأمام كل المآزق التي تمر بها المنطقة العربية فقد أصبح الجميع مؤمناً أن الأوان قد حان لأن تعي الأنظمة العربية أن ضمان استقرارها هو الإصلاح، وأن مستقبل المنطقة مرهون بدفع العملية الديمقراطية نحو الأمام، وإلا ستدفع المنطقة العربية كلها ثمن أخطاء الحكومات ومغامراتها.
{{ article.visit_count }}
يرى بعض الأردنيين أن الأزمة الحقيقية في الأردن ليست أزمة رفع أسعار مفاجئ ومرتفع؛ بل الأزمة الحقيقية من وجهة نظرهم هي أزمة سياسية، فانتخابات البرلمان تتعرض لعمليات تزوير لضمان وصول مجموعة من المتنفذين من أصحاب التوجهات غير الإصلاحية، والحكومات المشكلة لا تعبر عن نبض الشارع ولا تعمل وفق احتياجاته، وقد أفرطت في عمليات الفساد وبددت أموال الدولة ومقدراتها، الأمر الذي أوصل الأردن حافة الإفلاس وألزم المواطن الفقير دفع فاتورة كل الهدر الذي انجرف إلى جيوب المتنفذين.
رافق الاحتجاجات في أيامها الأولى أعمال عنف وشغب وحرق لمنشآت حكومية وخاصة عديدة، وسقوط قتيل واحد من المحتجين وعشرات الجرحى بين صفوف الدرك الأردني والمحتجين، وقيادات الحراك الشعبي الذي يتزعم الاحتجاجات يتبرؤون من استعمال العنف أو اللجوء إلى ضرب مقدرات الدولة، ويحملون «البلطجية» والدولة وجهات خارجية أخرى مسؤولية أعمال التخريب، ويعلن قادة الحراك أنهم ماضون في احتجاجاتهم واعتصاماتهم حتى لو تراجعت الحكومة عن إجراءاتها الاقتصادية، نتيجة أي سبب، لأن الوضع في الأردن وصل إلى الحد الذي يستدعي إصلاحاً جذرياً يحمي البلاد من الأزمات المتكررة التي أنهكت المواطنين وعطلت حركة التنمية.
هذا شأن الأردنيين في أزمتهم، وماذا عنا نحن في الخليج؟ كيف ننظر إلى الأزمة في الأردن؟ وما هي انعكاساتها علينا؟ وما هو دورنا تجاهها؟
بمعزل عن أسباب الأزمة في الأردن واتجاه حركتها، فإن الأردن بالنسبة لدول الخليج العربي، عامة، وللمملكة العربية السعودية خصوصاً، تشكل عمقاً استراتيجياً مهماً في الأمن القومي، فالأردن عمل طويلاً كسدادة أمان للمملكة العربية السعودية، فهو من تحمل تبعات سقوط النظام العراقي السابق واستقبل اللاجئين العراقيين، وهو من يتحمل تبعات الثورة السورية ويستقبل اللاجئين السوريين، والأردن صاحب أطول حدود مع الكيان الصهيوني وهو بمثابة منطقة عازلة تفصل الخليج العربي عن إسرائيل!.
إن دخول الأردن في حالة فوضى، لا قدر الله، لن تسلم دول الخليج العربي من آثاره الخطيرة، وربما سيتفجر الوضع في المنطقة كلها، فالفوضى التي تعج على حدود الأردن في العراق وسوريا قد تتسرب إلى الأردن وتتسرب معها عناصر من الجيش السوري والحرس الإيراني وعناصر من حزب الله، وهنا نشير إلى توجيه اتهامات من قبل وزير الداخلية وبعض قيادات الحراك الشعبي وبعض المواطنين إلى عناصر سورية اشتركت في أعمال الشغب والتخريب، فهل أرسل بشار الأسد عناصره لتبعث الفوضى في الأردن منفذاً بذلك تهديده أن أي ضرر ستتعرض له سوريا سوف يدخل المنطقة كلها في حالة فوضى؟، ثم إن دخول أي عناصر موالية لإيران إلى الأراضي الأردنية سوف لن تواجهه إسرائيل مكتوفة الأيدي، فلن تقبل إسرائيل أن تحاصرها إيران عبر حزب الله شمالاً وعبر الحدود الشرقية الطويلة مع الأردن!!، وهنا سيفتح ملف خطير في قضية الشرق الأوسط يصعب تصوره، هل ستدخل المنطقة في حرب كبيرة فوضوية داخلية ومشتركة مع إسرائيل؟ إن تفجر الوضع في الأردن لا يعني الأردنيين وحدهم، إنه يعني العرب والمستقبل العربي والأمن القومي العربي.
قد يبدو هذا السيناريو مبالغاً فيه وتهويلياً، ولكن.. من كان يتوقع المنزلق الدموي الطويل الذي انزلقت إليه الثورة السورية والفوضى المعقدة التي عمت الملف السوري؟ ولماذا ننتظر نحن الخليجيون النتائج دائماً؟ لماذا لا نفكر في الاحتمالات ونضع لها بدائل وقائية وحلولاً احترازية، إن دول الخليج بشكل عام دول مستقرة رغم وجود بعض القلاقل الأمنية في البحرين والسعودية، ورغم وجود أزمة سياسية كويتية، لكن نسبة الاستقرار في الخليج هي الأعلى نتيجة التركيبة السكانية المستقرة ونتيجة الوضع الاقتصادي المريح للمواطن، لكن الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية محاطة بحدود غير مستقرة في العراق واليمن وسوريا، وتلك مناطق أسهمت في ضعضعة الأمن القومي الخليجي، فلم تتحرك الخلايا النائمة في الخليج إلا بعد أن استحكمت إيران بكافة أذرعها في العراق، وبعد أن تمكن حزب الله من بسط قبضته على الدولة اللبنانية، وبعد أن زرعت إيران لها شوكة حادة في خاصرة السعودية وهم الحوثيون في اليمن، فهل ننتظر حتى يصل الاضطراب إلى الأردن وهنا يكتمل الطوق الملتهب حول دول الخليج العربي؟
هل مطلوب من دول الخليج العربي أن تقدم معونات مالية عاجلة للخزينة الأردنية لحمايتها من الانهيار؟ قد ينزع هذا الحل فتيل المأزق الحرج الذي تعانيه الأردن، لكن هل سيحل الأزمة السياسية التي انفتحت على المجهول؟ هل سيقبل الأردنيون حلاً مهدئاً ومرحلياً؟ لا أملك إجابة وحتى من سألتهم من الحراك الشعبي في الأردن لا يملكون إجابة قاطعة!!، لكن على دول الخليج ألا تستهين بالمأزق الأردني وألا تفرط في أمنها القومي، وأن تبحث تبعات أي تطور غير محسوب قد تنجرف إليه المنطقة، وأمام كل المآزق التي تمر بها المنطقة العربية فقد أصبح الجميع مؤمناً أن الأوان قد حان لأن تعي الأنظمة العربية أن ضمان استقرارها هو الإصلاح، وأن مستقبل المنطقة مرهون بدفع العملية الديمقراطية نحو الأمام، وإلا ستدفع المنطقة العربية كلها ثمن أخطاء الحكومات ومغامراتها.