إن أهمية أي فكرٍ علميٍ تنبع من الحاجة إليه، وبالتالي من الأمور المترتِّبة على انعدامه في حياتنا، فالفكر القومي مثلاً مهمّ لأن بدونه ما كان للمواطن العربي أن يفكِّر في تحقيق الوحدة العربية، علماً بأن التجربة التاريخية لم تبرهن على صلاحيّتها المطلقة، وعلى هدي هذا المنطق، تبرز أهمية تأصيل الثقافة العقلانية من واقع نقيضها، فالبديل هو تسلّط الأفكار والمرئيّات اللاعقلانية، أي تلك التي تفتقر إلى سيادة العقل والحكمة، في مجتمعنا، وهو للأسف ما يحدث حالياً بصورةٍ جزئيةٍ، حيث الغلبة اليوم للارتجال، والقفز فوق وقائع التاريخ، وهيمنة الزعامات والرؤى الفرديّة على المشهد السياسي برمّته، فلا يكاد يمّر يوم حتى يكتشف المرء المتاهة التي نتخبّط فيها بلا وعيٍ بما يترتّب عليها من أضرار بالوطن وبمستقبل الجيل الصاعد.
إن الأشخاص الذين يمارسون التفكير العقلاني في الحكم على الأمور ينزعون إلى إضفاء الطابع النسبي على تصوّراتهم، من خلال استخدام مفردات تحمل طابعاً نسبياً، مثل: قد، ربما، يمكن، يجوز، الخ، كما يرون أن هذه المعتقدات منطقيّة، أي تتوافق مع حقيقة الذات والآخرين، ومع مجريات الواقع؛ ومثل هذه التصوّرات تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالارتياح طالما ظلّوا على وعيٍ برغباتهم، مع أن مشاعر الانزعاج والتذمّر قد تسيطر عليهم عندما يشعرون بالعجز عن تحقيق أهدافهم، فالشخص العقلاني قد يجد نفسه منبوذاً حينما يدعو إلى الحوار والتهدئة فيما يستمتع البعض بالترويج لفكرة أن الظرف الراهن هو زمن الثأر والقصاص.
أما الأشخاص ذوو المعتقدات اللاعقلانية، فيتعاملون مع الرغبات بصفتها شيئاً مطلقاً من خلال استخدام ألفاظ وتعبيرات تحمل صفة الحتميّة، مثل: يجب، ينبغي، يفترض، لا مناص، الخ..
هذه التعبيرات قد لا تتطابق بالضرورة مع الحقيقة الواقعيّة للذات والآخرين، ومع الواقع، وتقود إلى تشكيل انفعالات واضطرابات نفسية لدى الشباب والمراهقين بالذات، كالغضب، والقلق، والعصاب، وتعيقهم عن وضع أهداف شخصيّة جديدة لأنفسهم في الحياة، لأنها تدفعهم إلى التعصّب لآرائهم الصارمة وإن كانت خاطئةً، ومن ثم المجازفة، والتخلِّي عن المسؤوليّة الفرديّة