الشعب الذي وقف ليدافع عن بلده أمام محاولة صريحة لاختطافها، ووقف يدافع عن نظامه الشرعي أمام محاولات تسقيطه، ووقف ليدافع عن وجوده وإرادته حينما حاولت أطراف أن تسرق صوته لتهتف باسمه بكل «عين قوية» ودون «حياء» أو «خجل» بأن «الشعب يريد»، هذا الشعب لم يغير توجهاته ومواقفه وأقواله وتصريحاته -التي تأتي في إطار واجباته- من واقع أنه أيضاً في المقابل «يريد» من منطلق آخر «حقوقه».
نعم الشعب يريد، لكن الأهم هنا أن تعرف الدولة ما يريده الشعب، ونعني الشعب «المخلص» الملتزم بثوابت المواطنة الحقة، لا تلك الفئات التي قبلت بأن تقودها رؤوس فتنة وتأزيم كالقطيع متحدثة باسمهم ومستغلة عددهم.
لو كان هناك مسؤولون ينظرون للشعب بنظرة «مستخفة» فإن هذا لا يفترض القبول به في هذه البلد، ولا يفترض أن تسكت الدولة عنه، ليس مقبولاً إن طالب الشعب بحق من حقوقه أن تتم «الاستهانة» بمطالبه، أو»التقليل» من شأنها حسب أمزجة مسؤولين أوحسبما تقتضيه الظروف.
سيكون من المعيب على الدولة أو بعض المسؤولين فيها أن يتم التعامل مع الشعب بطريقة تخلق لديه إحساساً بأنه كما الأداة التي تستخدم في أوقات معينة لخدمة أغراض معينة، حتى وإن كان الغرض يصب في خانة الدفاع عن الوطن وإعلاء صوت أهله المخلصين، في مقابل ذلك يتم تناسي هذا الشعب وتجاهل همومه حينما تزول الشدة وتنزاح الغمة.
بالبحريني الفصيح، من يظن أن التعامل مع الشعب المخلص باعتبار أنه أوراق لعب تستخدم لكسب اللعبة أي لعبة، فإنه لن يختلف تماماً عمن يستخدم فئات أخرى من الشعب لينفذ من خلالها أجندات سيئة، محاولة انقلابية تحقق له أهدافاً مريضة، لأجلها لا يهم إن مات سبعة أو سبعة آلاف شخص.
ما حصل في البحرين كان بسبب فئات حاولت سرقة البلد، في مقابلهم عشرات الآلاف من المخلصين وقفوا دفاعاً عن هذا الكيان وشرعية نظامه وعن أنفسهم، بالتالي فشلت المؤامرة، هذه حقيقة لا يجب أن يتم نسيانها أو تغافلها.
لا يجب أن يحترم الشعب أي مسؤول إن كان ينظر للشرفاء خلال الأزمة على أنهم «قلب البلد النابض» وأنهم «الأساس» الذي ثبت أركان الدولة، وأنهم «المخلصون» الذين تصدوا لمحاولة الانقلاب، وبعد أن «فشل» المخطط «الصفيوني» يتحول بعض هؤلاء المسؤولين لمعاملة الشعب المخلص عبر «رفع الأنف»، ومن فوق بروج عاجية، بل ويصلون لمرحلة يعتبرون فيها الشعب إن تكلم بما يعتمل في قلبه، وإن عبر عما يضايقه وإن انتقد وأعلن عن مطالبات تصب في حل مشاكله، يعتبرونه «مؤزماً» وداعياً للفوضى.
إن وجد هذا النوع من المسؤولين بهذا التعامل «الناكر» لجهود الناس، فإن هؤلاء المسؤولين ومن على شاكلتهم يجب أن يقال لهم تذكيراً إنه لولا هذا الشعب لما كنتم في كراسيكم، ولما كنتم في مناصبكم! هي ليست «منة» حاشا لله، بل هو تذكير بحقيقة لا يجب أن تنسى، فالشعب ليس «أداة» تتحرك بضغطة زر، ثم بضغطة أخرى نعود لوقف «تشغيلها» دون أن تصدر عنه كلمة!
مثلما الشعب شكله «حلو» وتجمعه «يهبل» وصوته «يهز الأرض»، حينما يتصدى لمن يسعى لاختطاف وطنه وتسقيط نظامه، فإن هذا الشعب له مطالب وله تطلعات وله هموم يجب أن تحل وتعالج وبأسرع وقت، وحينما يتحدث عن هذه المطالب ليس من المقبول أبداً من الدولة أو أي أحد يمثلها أن يتصرف بتذمر أو بتململ مع الناس وكأنه يقول للشعب «لا تمصخونها».
من باب النصيحة التي يأمرنا بها الدين أقلها، نحذر من التعامل مع شعب قدم الكثير انطلاقاً من واجبه الوطني بأسلوب «متعالٍ»، ونحذر من مقابلة مطالب الناس والاستماع لحديثهم وهم يبثون همومهم ومشاكلهم «دون اكتراث» أو دون أي اهتمام بعلاجها وحلها.
نعم المخلصون من الشعب وقفوا من منطلق «واجبهم» ليرفضوا من سرق صوتهم، وقال «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن في المقابل من «حقهم» أن يهتفوا بألف هتاف بأن «الشعب يريد» ويقرنوه بكل هم معيشي يعانون منه، ومن «حقهم» أن تحقق لهم مطالبهم، لا أن يستصغر شأنهم ويتم تجاهلهم.