قبل أيام التقيت على قارعة الطريق قيادياً وفاقياً، قال لي إنه «لا يوجد بديل عن الحوار وبالتالي يجب المواصلة فيه عدا أنه الخيار الأفضل والخيار المطلوب»، وأضاف أن «الحوار في حد ذاته أمر طيب والاستمرار فيه مهم ومفيد لأنه يوفر على الوطن والمواطنين الكثير»، وعبر عن أمله في أن «يتخطى المشاركون فيه كافة العقبات»، وشدد على أن «من المهم أن تتكلل هذه الخطوة بالنجاح»، مبيناً أنه «باستثناء البعض فإن مختلف القوى في الساحة تريد الحوار وانتظرته لأنه من غير المعقول أن تستمر الأوضاع هكذا إلى الأبد».
كلام يعبر عن عقل، لكني لم أعرف إن كان ذلك هو رأيه الشخصي أم موقف «الوفاق» كجمعية سياسية، وذلك لسببين، الأول هو أنني أعرف مقدار نضج وواقعية هذا النائب السابق، وما يتسم به من تفكير منطقي ونظرة علمية للأمور وجرأة دفعته العام الماضي إلى زيارة حلبة البحرين الدولية والتصريح لوسائل الإعلام عن أهمية «الفورمولا1» وما يمكن أن يعود به من خير على الاقتصاد، والثاني هو أن مواقف جمعية «الوفاق» يشوبها الكثير من التخبط إلى الحد الذي تبدو فيه أنها لا تعرف كيف تتصرف وأين تقف.. مع الوطن الذي يتعرض لظلم كبير أم مع من رفع راية «النضال والثورة»، واعتبر ما يقوم به من ممارسات سالبة «خدمة للوطن»؟!
في كل الأحوال أتمنى أن يكون رأي الوفاقي معبراً عن رأي «الوفاق»، وإن لم يكن كذلك فأتمنى أن يزداد عدد الواقعيين بهذه الجمعية السياسية التي ورطت نفسها بتعاطفها مع تلك المجموعة التي اتخذت العنف سبيلاً.
في السياق نفسه كان «معارض ووزير سابق» قد نشر تغريدة مفادها «أن المعترضين على الحوار كمبدأ في العلاقة بين الحكم ومعارضيه لا يقدمون بديلاً»، وهي تغريدة رائعة كموقف ذلك الوفاقي، فكما إن الحوار والاستمرار فيه أمران مهمان كذلك فإن على من يعترض على هذا التوجه أن يقدم البديل، حيث الانتظار إلى أن يجود الزمان بفكرة أو يصل المعترضون على الحوار إلى قناعة بأهميته ظلم كبير للبحرين وشعبها.
لا بأس أن ننتقد ونعترض ولكن ينبغي أيضاً أن نقدم البديل. الاعتراض على الحل المطروح أمر طيب وهو حق لا يمكن منازعة الناس فيه لكن الأطيب هو اقتراح البديل العملي الذي يمكن الاستعاضة به ليوصلنا إلى حيث نتجاوز ما صرنا فيه.
الحل المنطقي والواقعي الوحيد لمشكلتنا في البحرين هو الحوار، ومن يعترض عليه ينبغي أن يقدم البديل الذي يجب أن يوصلنا إلى النتيجة المبتغاة. أما ما يطرحه المتطرفون في آرائهم والسابحون في خيالاتهم فليس بديلاً لأنه لا يؤدي إلى حل المشكلة بل على العكس يعقدها أكثر وأكثر.
صحيح أن الحوار القائم في «العرين» لم ينتج عنه شيء حتى الآن، وتنتهي كل جلسة من جلساته بأمور لا تسر واتهامات يتبادلها المشاركون فيه، ولكنه في كل الأحوال أفضل من عدمه، ذلك أن وجود الحوار يعني أن هناك رغبة في الانتقال بالناس من حال غير مريح إلى حال يتفرغون فيه للعمل والبناء.
لا بأس من الوصول أحياناً إلى حد الاختلاف الشديد وحتى الصراخ، وتجرؤ المشاركين بعضهم على بعض، فمثل هذه الأمور وإن بدت غريبة إلا أنها تعتبر طبيعية وممكنة الحصول، عدا أن المشاركين في الحوار يتعمدون ذلك أحياناً للمناورة. لا بأس من كل هذا فالمهم أن يستمر الحوار ويستمر تدفق الآراء والمقترحات للخروج من الحالة التي صرنا فيها. أما أولئك الذين لايزالون معترضين على خطوة الحوار والذين يكيلون الاتهامات للمشاركين فيه بسخاء وينثرونها يمنة ويسرة و»يتحلطمون» فعليهم بدل كل هذا أن يأتوا بالبديل.