نشرت الزميلة صحيفة الأيام يوم أمس عرضاً لبعض حالات اضطهاد الشيعة للشيعة، كحادثة حرق منزل النقيب خميس وحرق سيارة ناصر الهاشمي في يوم تخرج ابنه من الأكاديمية العسكرية، وما تعرضت له عائلة بن رجب وما تعرض له الشيخ محسن العصفور وعائلته وعائلة المدني وما تعرضت له السيدة فاطمة غلوم وعلي الفردان وما تعرض له النائبان أحمد الساعاتي والسيد جواد وما تعرض له أصحاب المحلات التجارية الواقعة على شارع البديع وغيرهم.
وهناك قصص أخرى كثيرة لحالات التهديد والرعب والابتزاز التي تعاني منها بعض الأسر الشيعية والأفراد الذين يصرون على الإعلان عن استقلاليتهم والخروج من «طوق الحمامة» العلمائية الولائية إن صح التعبير!!
تلك الحالات ما هي سوى قمة لجبل جليدي نأت الدولة بسلطاتها الأمنية والثقافية والدينية عنها منذ ثلاثين عاماً إذ اعتبرتها شأناً دينياً له «خصوصيته» فسكتت عن أول مظاهره الخلافية التي صاحبت دخول الفكر الأصولي ومن ثم انفراد وكلاء المرجعيات الدينية الإيرانية في البحرين بالهيمنة على المساجد والمآتم عن طريق القوة والعنف والترهيب، فجاء الشيرازيون وجاء أصحاب فكر ولاية الفقيه وفكر ولاية الفقهاء الشمولي ليقضي على آخر معاقل الإخباريين ويقصيهم عنوة وقسراً وعنفاً ويستولي على كل دور العبادة الشيعية على مرأى ومسمع الدولة ودون أن تحرك ساكناً.
هذا الخطأ ارتكبته دولتان صغيرتان هما لبنان والبحرين ودفعت ثمن هذا الخطأ بتعرض سيادتهما للخطر والانتهاك نتيجة المطامع الإيرانية التي تخوض حرباً على هذين الشعبين الآن عن طريق وكلاء مرجعياتها الدينية.
المشكلة أن الدولة في البحرين تطالب الشيعة الآن بإعلان استقلاليتهم عن تلك المرجعيات، وإعلان التمرد على ذلك الإرهاب، بعد ماذا؟ بعد خراب البصرة؟ هي الآن عاجزة حتى عن توفير الحماية لمن يجرؤ منهم، مترددة في تعويضهم، لا تملك رؤية شمولية لحمايتهم.
لقد قربت الدولة اجتماعياً واقتصادياً وكلاء المرجعيات الدينية الإيرانية لسنوات وكان عز ذروتهم في السنوات العشر الأخيرة، ومنحتهم حرية للحركة خارج نطاق القانون فشنوا حرباً على المساجد والمآتم حتى استولوا عليها، واليوم يجلس القائمون والأئمة والمؤذنون الذين أقصوا عن مواقعهم في البيت يستلمون رواتبهم دون عمل ينجزونه، خوفاً ورعباً من الجماعات الإرهابية فماذا فعلت لهم الدولة؟ الدولة لم توفر لهم أية حماية أمنية أو سياسية فكانوا «قدوة» لمن يفكر بالاعتراض، وتعلم بقية الشيعة الدرس!!
ثم أعلن وكلاء المرجعيات الإيرانية أنهم يؤسسون قيادة شيعية دينية مستقلة عن الدولة لا يحكمها القانون ولا تحكمها المؤسسات فتركتهم الدولة لأكثر من عشر سنوات همش فيها كل شيوخ الشيعة الآخرين الذي لم يقبلوا الدخول تحت لوائهم، فحرقت منازلهم وحرقت ممتلكاتهم وتم تهديدهم وإرهابهم، فماذا فعلت لهم الدولة؟
قبل 8 سنوات حاول -مجرد محاولة- الكاتب في صحيفة الوقت «علي الديري» ومعه «نادر المتروك» فتح ملفات الخلافات بين الإخباريين والأصوليين من المنظور التاريخي المعاصر لا من المنظور الفقهي فحسب، فماذا كانت ردود الأفعال داخل البيت الشيعي على هذه المحاولة حين ذاك؟ كان التخوف والتشكيك والرهبة من الشيعة بعضهم بعضاً هم سادة الموقف فكتب الديري عن تلك التوجسات مقال «الإخبارية والأصولية» وهذه بعض مقتطفاته «اشتغلت آليات التحذير والتشكيك والسؤال عن جدوى فتح التاريخ ولمصلحة من، وتحت أي ضمانة»... «الآليات نفسها اشتغلت حين بدأت العمل على ملف «الإخبارية والأصولية»، بل إن كثيراً من الأصدقاء اعتذر عن المشاركة متذرعاً بالآليات نفسها» .. الصديق عباس ميرزا، قال لي، الموضوع جدير بالاهتمام ولدي ما أقوله فيه، لكن السياق السياسي والاجتماعي المشحون بالتوجس لا يسمح لي بذلك، ولا تنسَ أن هناك توصية وردت في تقرير مثير تنص على «عدم إثارة مشكلة إخباري وأصولي في كل الأبعاد والأماكن». ... «الدكتور ناصر المبارك، الذي نشأ في الخصام المبين في مدرسة الشيخ سليمان المدني الإخبارية، حين طلبت منه أن يكتب تجربته الإخبارية، قال لي: لا أريد أن أثير شق فتنة»!! (انتهى الاقتباس)
فإذا كان هذا الوضع الآمن المتوفر قبل عدة سنوات حمل كل هذا الكم من التوجس والتخوف من الشيعة بعضهم بعضاً، فماذا عن الآن؟!
السؤال أين كانت الدولة عن هذه الخلافات وتلك الصراعات؟ أين دور الدولة المدنية في حماية «الأقليات الدينية» وهم الشيعة الذين رفضوا الانصياع والدخول قسراً ضمن طوق الحمامة؟ «ويأتي مصطلح «الأقليات» هنا تعبيراً عن الأقل تأثيراً وليس الأقل عدداً»، ماذا فعلت الدولة لهم؟ الدولة لم تتركهم مكشوفي الظهر بلا غطاء فحسب بل بالعكس فتحت أبوابها -حتى العليا منها- للمرجعيات الإرهابية، فقربتهم وولتهم المناصب وزارتهم وتركتهم خارج نطاق التغطية القانونية.
الشيعة اليوم لا يجرؤون على الخروج عن طوق الحمامة، لقد قتلوا لهم القطة من الليلة الأولى، لقد أكلوا لهم الثور الأبيض، فما عاد هناك من يجرؤ على الكلام، واليوم من بعد طول غياب تحاول الدولة أن تستعيد مواقعها وتطبق القانون الغائب وتطالب الشيعة بالجرأة وبالتعبير، إنما في غياب رؤية شمولية. بمعنى أن غياب الرؤية السياسية البعيدة المدى سمح للإرهاب الفكري أن ينمو ويتمدد ليتحول إلى إرهاب بمعناه المادي الملموس، والحالات التي استعرضتها صحيفة الأيام هي قمة لجبل جليدي امتداده داخل مناطق نفوذ معاقل لتلك الجماعات بفضل غياب تلك الرؤية، ومجرد التفكير بتفكيك تلك المعاقل «أمنياً» فحسب، دون مصاحبتها بتفكيك فكري ثقافي يفتح نوافذ تلك المعاقل على الاختلاف ويحمي الأقليات، ما هو إلا تكيتك وقتي ترقيعي وما هو سوى مضيعة للوقت ومجرد جولة من جولات الصراع ستنتقل به تلك الجماعات إلى معاقل أخرى أكثر أمناً وهكذا ستستمر لعبة «الخشيشة» بين الدولة وبين الإرهاب.
وهناك قصص أخرى كثيرة لحالات التهديد والرعب والابتزاز التي تعاني منها بعض الأسر الشيعية والأفراد الذين يصرون على الإعلان عن استقلاليتهم والخروج من «طوق الحمامة» العلمائية الولائية إن صح التعبير!!
تلك الحالات ما هي سوى قمة لجبل جليدي نأت الدولة بسلطاتها الأمنية والثقافية والدينية عنها منذ ثلاثين عاماً إذ اعتبرتها شأناً دينياً له «خصوصيته» فسكتت عن أول مظاهره الخلافية التي صاحبت دخول الفكر الأصولي ومن ثم انفراد وكلاء المرجعيات الدينية الإيرانية في البحرين بالهيمنة على المساجد والمآتم عن طريق القوة والعنف والترهيب، فجاء الشيرازيون وجاء أصحاب فكر ولاية الفقيه وفكر ولاية الفقهاء الشمولي ليقضي على آخر معاقل الإخباريين ويقصيهم عنوة وقسراً وعنفاً ويستولي على كل دور العبادة الشيعية على مرأى ومسمع الدولة ودون أن تحرك ساكناً.
هذا الخطأ ارتكبته دولتان صغيرتان هما لبنان والبحرين ودفعت ثمن هذا الخطأ بتعرض سيادتهما للخطر والانتهاك نتيجة المطامع الإيرانية التي تخوض حرباً على هذين الشعبين الآن عن طريق وكلاء مرجعياتها الدينية.
المشكلة أن الدولة في البحرين تطالب الشيعة الآن بإعلان استقلاليتهم عن تلك المرجعيات، وإعلان التمرد على ذلك الإرهاب، بعد ماذا؟ بعد خراب البصرة؟ هي الآن عاجزة حتى عن توفير الحماية لمن يجرؤ منهم، مترددة في تعويضهم، لا تملك رؤية شمولية لحمايتهم.
لقد قربت الدولة اجتماعياً واقتصادياً وكلاء المرجعيات الدينية الإيرانية لسنوات وكان عز ذروتهم في السنوات العشر الأخيرة، ومنحتهم حرية للحركة خارج نطاق القانون فشنوا حرباً على المساجد والمآتم حتى استولوا عليها، واليوم يجلس القائمون والأئمة والمؤذنون الذين أقصوا عن مواقعهم في البيت يستلمون رواتبهم دون عمل ينجزونه، خوفاً ورعباً من الجماعات الإرهابية فماذا فعلت لهم الدولة؟ الدولة لم توفر لهم أية حماية أمنية أو سياسية فكانوا «قدوة» لمن يفكر بالاعتراض، وتعلم بقية الشيعة الدرس!!
ثم أعلن وكلاء المرجعيات الإيرانية أنهم يؤسسون قيادة شيعية دينية مستقلة عن الدولة لا يحكمها القانون ولا تحكمها المؤسسات فتركتهم الدولة لأكثر من عشر سنوات همش فيها كل شيوخ الشيعة الآخرين الذي لم يقبلوا الدخول تحت لوائهم، فحرقت منازلهم وحرقت ممتلكاتهم وتم تهديدهم وإرهابهم، فماذا فعلت لهم الدولة؟
قبل 8 سنوات حاول -مجرد محاولة- الكاتب في صحيفة الوقت «علي الديري» ومعه «نادر المتروك» فتح ملفات الخلافات بين الإخباريين والأصوليين من المنظور التاريخي المعاصر لا من المنظور الفقهي فحسب، فماذا كانت ردود الأفعال داخل البيت الشيعي على هذه المحاولة حين ذاك؟ كان التخوف والتشكيك والرهبة من الشيعة بعضهم بعضاً هم سادة الموقف فكتب الديري عن تلك التوجسات مقال «الإخبارية والأصولية» وهذه بعض مقتطفاته «اشتغلت آليات التحذير والتشكيك والسؤال عن جدوى فتح التاريخ ولمصلحة من، وتحت أي ضمانة»... «الآليات نفسها اشتغلت حين بدأت العمل على ملف «الإخبارية والأصولية»، بل إن كثيراً من الأصدقاء اعتذر عن المشاركة متذرعاً بالآليات نفسها» .. الصديق عباس ميرزا، قال لي، الموضوع جدير بالاهتمام ولدي ما أقوله فيه، لكن السياق السياسي والاجتماعي المشحون بالتوجس لا يسمح لي بذلك، ولا تنسَ أن هناك توصية وردت في تقرير مثير تنص على «عدم إثارة مشكلة إخباري وأصولي في كل الأبعاد والأماكن». ... «الدكتور ناصر المبارك، الذي نشأ في الخصام المبين في مدرسة الشيخ سليمان المدني الإخبارية، حين طلبت منه أن يكتب تجربته الإخبارية، قال لي: لا أريد أن أثير شق فتنة»!! (انتهى الاقتباس)
فإذا كان هذا الوضع الآمن المتوفر قبل عدة سنوات حمل كل هذا الكم من التوجس والتخوف من الشيعة بعضهم بعضاً، فماذا عن الآن؟!
السؤال أين كانت الدولة عن هذه الخلافات وتلك الصراعات؟ أين دور الدولة المدنية في حماية «الأقليات الدينية» وهم الشيعة الذين رفضوا الانصياع والدخول قسراً ضمن طوق الحمامة؟ «ويأتي مصطلح «الأقليات» هنا تعبيراً عن الأقل تأثيراً وليس الأقل عدداً»، ماذا فعلت الدولة لهم؟ الدولة لم تتركهم مكشوفي الظهر بلا غطاء فحسب بل بالعكس فتحت أبوابها -حتى العليا منها- للمرجعيات الإرهابية، فقربتهم وولتهم المناصب وزارتهم وتركتهم خارج نطاق التغطية القانونية.
الشيعة اليوم لا يجرؤون على الخروج عن طوق الحمامة، لقد قتلوا لهم القطة من الليلة الأولى، لقد أكلوا لهم الثور الأبيض، فما عاد هناك من يجرؤ على الكلام، واليوم من بعد طول غياب تحاول الدولة أن تستعيد مواقعها وتطبق القانون الغائب وتطالب الشيعة بالجرأة وبالتعبير، إنما في غياب رؤية شمولية. بمعنى أن غياب الرؤية السياسية البعيدة المدى سمح للإرهاب الفكري أن ينمو ويتمدد ليتحول إلى إرهاب بمعناه المادي الملموس، والحالات التي استعرضتها صحيفة الأيام هي قمة لجبل جليدي امتداده داخل مناطق نفوذ معاقل لتلك الجماعات بفضل غياب تلك الرؤية، ومجرد التفكير بتفكيك تلك المعاقل «أمنياً» فحسب، دون مصاحبتها بتفكيك فكري ثقافي يفتح نوافذ تلك المعاقل على الاختلاف ويحمي الأقليات، ما هو إلا تكيتك وقتي ترقيعي وما هو سوى مضيعة للوقت ومجرد جولة من جولات الصراع ستنتقل به تلك الجماعات إلى معاقل أخرى أكثر أمناً وهكذا ستستمر لعبة «الخشيشة» بين الدولة وبين الإرهاب.