هذا سؤال مهم ولكني لست صاحبه؛ إنه من المحامية فاطمة الحواج التي علقت على تصريح للشيخ علي سلمان في اللقاء الجماهيري الأخير في المقشع والذي قال فيه «لا نريد دولة دينية ومطالبنا ديمقراطية حديثة»، حيث نشرت تغريدة تقول «كيف يمكن ذلك في ظل سيطرة رجل الدين على الشارع البحريني؟».
الشكر للمحامية على هذا السؤال؛ والمطلوب الإجابة عنه إجابة شافية من كل من يقول القول نفسه، حيث لا يمكن ألّا يكون المراد إقامة دولة دينية وجل قادة الحراك هم من رجال الدين وجمهورهم يعتبرهم من المقدس ويعتبر غيرهم من المدنس. ترى كيف يمكن للآخرين أن يقتنعوا أن الدولة الدينية ليست هي الغاية وإنما الدولة الديمقراطية الحديثة والكلمة الأولى والأخيرة هي للشيخ عيسى قاسم والمطاعون أولاً وأخيراً هم أصحاب العمائم؟ كيف للآخرين أن يقتنعوا أن أصحاب العمائم سيقبلون بدولة ديمقراطية لا بدولة دينية؟
هذه إشكالية كبرى، واضح أن حلها صعب، ذلك أن العلاقة بين الديني والديمقراطية ليست علاقة ود من الناحية العملية، ولعل الصحيح هو القول إنه لا ديمقراطية في الدين، حيث الدين في النهاية عبارة عن مجموعة أحكام ليس لأحد تجاوزها ولا يمكن مناقشتها في البرلمان والتصويت عليها لتخفيفها أو إلغائها. الدولة الدينية تختلف تماماً عن الدولة الديمقراطية الحديثة وإن قال الدينيون إنهم يتحمسون لها ويسعون إليها، والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة ليس أولها ما يجري في مصر الآن، وليس آخرها تونس التي يسيطر عليها اليوم دينيون وتم فيها تكسير محلات بيع الخمور التي هي محرمة في الإسلام. ترى هل سيستمر السماح بالخمور في البحرين لو تحكم الدينيون في الأمر حتى عبر حكومة ديمقراطية حديثة كالتي يدعو إليها الشيخ علي سلمان؟
هذا مجرد مثال (وأرجو ألا يدخل ضمن الدعوة إلى إشاعة المنكر خاصة أنني لست شارباً لها) وإلا فإن أموراً كثيرة يصعب أن يقبل بها الدينيون تبيحها الدولة الديمقراطية.
ما يحدث في البحرين ليس المراد منه إقامة دولة ديمقراطية حديثة، فهذه الدولة متوفرة وإن احتاجت إلى بعض التعديل، ما يحدث يرمي إلى إيجاد دولة دينية يحكمها رجال الدين وستكون تابعة -شاءت أم أبت- إلى إيران والعراق أساسها مذهب بعينه وتتبع أسلوباً معيناً في الحكم يعتمد حكم الفقيه وأوامره ونواهيه باعتباره ظل الله على الأرض.. وفي ظل هذه الدولة الدينية البحتة لا يمكن الاعتراف لا بالديمقراطية ولا بالحديثة.
بحث سريع في الوجوه التي تقود الحراك الحالي سواء المقيمين في الخارج أو المتواجدين في الداخل يتبين معه حجم الاندفاع نحو تأسيس دولة دينية صرفة لا مكان فيها لهذه الأمور، دولة تحكم من الجامع وليس من مكان آخر، دولة لن يرضى عنها بعد قليل حتى أكثر المتحمسين والداعمين لها من الشباب.
أياً كان انتماء رجال الدين، فلا يمكن أن يدعوا إلا إلى الدولة الدينية، رجال الدين الشيعة لا يمكن أن يدعوا إلا إلى إقامة دولة دينية قرارها الأول والأخير في يد الفقيه، ورجال الدين السنة لا يمكن أن يدعوا إلا إلى إقامة دولة دينية قرارها الأول والأخير في يد المرشد الأعلى للجماعة سواء كانوا إخواناً أو سلفاً أو غير ذلك. أما سبب ذلك فبسيط، وهو أن رجل الدين يعلم أنه لو أدار دولة يحكمها بغير الكيفية التي تدار بها الدولة الدينية فلن يقبل به أحد وسيعتبرونه مخالفاً للدين فيفقد بذلك ثقتهم.
القول إنه ليس المطلوب دولة دينية في ظل سيطرة رجل الدين على الشارع مسألة تحتاج فعلاً إلى فهم واستيعاب.