سيمفونية موسوعية اسمها «20/20»؛ هو أدق وصف وجدته مناسباً بعد الانتهاء من التحديق والتمعن في المحتويات وليس التصفح والقراءة، وهو السلوك المعهود عند اقتناء كتاب مطبوع باستثناء «20/20»، وهو العنوان الأصلي الذي اختارته دار «ميراكل للنشر» البحرينية لكتابها الذي دشنته خلال أيام معرض فرانكفورت للكتاب 2012. بخلاف أية سيمفونية أخرى يتجاوز عدد من وضع ألحانها المؤلف الفردي إلى مئات الآلاف من البشر، ممن صنعوا أحداث 40 يوماً من تاريخ البحرين المعاصر بدأت في 14 فبراير 2011. وكما اختلف عدد المؤلفين، كذلك شذت أرضية المسرح، فهي عبارة عما يقارب 1000 صفحة من اللوحات المصورة التي التقطتها عدسات مصورين تفاوتوا بين تلك الحفنة المحدودة العدد من المحترفين والعشرات الآخرين من الهواة.
وكما هو الحال في السيمفونيات التي قد تبدو بعض مقاطعها شاذة تخدش أسماع من يصيخ السمع لها، وتتفاوت بين تلك الصاخبة العالية وتلك الهادئة المنخفضة، لكنها بعيداً عن كل ذلك تستمد قوة لا متنامية من وحدتها عند العزف، تزودها قدرة لا متناهية من الجمال السمعي التي تشد به آذان من يحرص على الإصغاء الهادئ لسماعها بعد أن يدع كل شيء آخر جانباً، وبقرار ذاتي كي يذوب روحياً في تلك الألحان، كذلك كتاب «20/20» أيضاً، تبدو بعض صفحات «20/20» للوهلة الأولى مؤذية للنظر بسوادها الفاحم وحمرتها الفاقعة ومحتواها المحزن، وأحياناً أخرى مستفزة للمشاعر بخلفياتها السياسية والشعارات التي دونت على الرايات المرفوعة وتسيطر على الكثير من اللقطات التي تحتضنها تلك الصفحات، لكنها رغم كل ذلك وعندما ينظر لها مع تلك الواصفة لاجتماع أو ملتقطة للقاء، يعود الكتاب كي يسلب من يطالع صفحاته القدرة على التوقف عن التصفح قبل أن يصل إلى آخر لقطة فيه، وتحل مكانها رغبة ملحة للاستمرار في التصفح والتمعن.. نصيحة لمن يقتني الكتاب جوهرها أن يطالعه كمن يستمع إلى سمفونية كوحدة واحدة تفقد بريقها، متى ما أسقطت لقطة من اللقطات التي تزخر بها صفحاته.
وكما ارتبطت بعض السيمفونيات في حالات كثيرة بأسماء المايسترو الذي يقود الفرقة التي عزفتها، بدلاً من المؤلف الأصلي الذي وضع سلم موسيقاها، كذلك هنا فمن المتوقع أن ترسخ في أذهان القراء، أو بالأحرى مشاهدي صور (20/20) صورة الكتاب والمقدمة التي تصدرت صفحات والخاتمة التي ذيلت بها آخر تلك الصفحات.
وكما يلتزم من يحضر حفلات عزف السمفونيات بقيم أخلاقية معينة؛ تأتي في المقدمة منها حبس أنفاسهم المعجبة بما يسمعونه من ألحان تعزف، حتى يبيح لهم مايسترو القيام بذلك، سوف أتحاشى الدخول في تقويم ذلك الكتاب الموسوعي كي لا أفسد على من سيقتنيه متعة قراءة شخصية محضة غير متأثرة بآراء مسبقة فرضها عليه من قام بمراجعة لمحتويات ذلك الكتاب، بغض النظر عن موضوعيتها، وسوف أكتفي عوضاً عن ذلك باقتطاع مقتطفات مما ورد فيه، استهلها بما ورد في المقدمة التي تبدو وكأنها الرسالة الذكية المبطنة التي أرادت «ميراكل للنشر» أن تبعث بها ليس لقراء «20/20» فحسب؛ إنما أيضاً لأولئك الذين صنعوا أحداث الأربعين يوماً المتتابعة التي يغطيها الكتاب، والتي تبدأ من 14 فبراير 2011.
ومما جاء في المقدمة فقرات تقول «.. لا يمكن الاستهانة بقوة التصوير الصحافي كأداة تخاطب الوعي الاجتماعي وكسجل لذاكرتنا الجماعية. فالصورة تحوي وتوثق في لقطة تاريخاً يتجلى وتحركات تحدث، وتوترات اجتماعية، وتغييرات في الثقافة والنظام العالمي. جميع ذلك يمكن قراءته في لقطة فوتوغرافية في حدود عدسة الكاميرا وفي المردود البصري لها تكمن الإمكانية والقدرة لقراءة التغيرات».
ثم ينطلق جمعان مضيفاً أن هذا الكتاب «يأتي ضمن ذات النسق؛ إذ إن التسلسل الزمني للصور في هذا الكتاب يأخذكم في رحلة عبر فترة غير مسبوقة للبحرين في عشرين يوماً حافلة بالصعوبة امتدت من 14 فبراير حتى 25 من مارس 2011. تطالعكم على مرمى من أطراف أصابعكم صوراً تنبض بمدى متنوع من المشاعر تتراوح بين الألم والقوة والوحدة كما تسجل ما ألم بالبلاد من اضطراب وفوضى».
رغم كل اللقطات التي ربما تثير بعضاً من التشاؤم المشوب بمسحة من الإحباط، لكن مقدمة «ميراكل للنشر»، لا تدع القارئ وحيداً كي يتحول إلى ضحية لأي منهما، فنجدها تؤكد أنه «ليس هناك شك عند غالبية ممن عايشوا الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، أن وراء الصخب دعوة واضحة للعودة إلى قيم السلام والازدهار في مملكة حريصة وتواقة إلى التقدم بجبهة أكثر وحدة وقوة».
ومرة أخرى، وفي إصرار متعمد يتحاشى التقويم ويتمسك بقسم بمقاييس النقل الصادق، أضع بين عيني القارئ صفحتي 646 و647 المتقابلتين، حيث يقول الكتاب عن أولاهما «محتجون يحيطون برجل أمن ويعتدون عليه بالضرب والرمي بالحصى في المنامة»، أما الأخرى، فهي كما ورد في النص «رجال الأمن مع سيارة خاصة لدفع الماء يتعاملون مع المحتجين الذين أغلقوا شارع الملك فهد».
صورة أخرى تحتل صفحتي 604 و605 تصف مشهداً لأحداث 11 مارس 2011، يصفها الكتاب قائلاً «المحتجون يفرون من أحد المواقع بالقرب من الرفاع خوفاً من الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن لتفريقهم، وذلك بعد أن تجاوز المحتجون الحواجز الأمنية التي أقامتها قوات الأمن».
ولا يخلو الكتاب، رغم الجدية التي سادت صفحاته، من بعض اللقطات الطريفة كتلك الصورة التي احتلت صفحتي 163 و164، تأريخاً لما جرى في يوم 18 فبراير 2011، وجاء في التعليق المصاحب لها «فرحة المحتجين برجوعهم لنصب اللؤلؤة بعدما أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد بسحب القوات الأمنية من دوار مجلس التعاون».
صور أخرى قيمة ومعبرة يصعب حصرها، فهناك تجمع الفاتح، وهناك لقاءات بسيوني، جميعها تعزف سيمفونية «20/20» كما تصدح بها صفحات ذلك الكتاب.
وتنتهي المقدمة، التي حاول من جمع تلك الصور أن تكون بمثابة خاتمة يفصح فيها عن رسالته التي يود أن يبثها للقراء، فخصص لها الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من الكتاب، بفقرة ناشدهم فيها أن يتحاشوا سوء فهم السرد الذي تقيد به، فيحولوه إلى جزء «من أجندة سياسية أو اجتماعية ما، وهو ليس كذلك، بل هو يسعى إلى التوضيح حيث قد تفشل الكلمة». وأجمل ما في تلك المقدمة، كان آخر سطر فيها، عندما تأمل أن يكون الكتاب «بمثابة تذكير ومناشدة من القلب إلى القيم الإنسانية التي تربط بيننا» والمقصود بكلمة «بيننا»، أبناء البحرين، كما يفهمها القارئ الحصيف، حكومة وشعباً، طوائف كانوا أم مذاهب مختلفة.
وكما تقول الصفحة الأخيرة من «20/20» فإن الكتاب في جوهره هو بمثابة «رحلة دقيقة عبر زمن من الذكريات الجماعية من خلال لحظة غير عادية».
{{ article.visit_count }}
وكما هو الحال في السيمفونيات التي قد تبدو بعض مقاطعها شاذة تخدش أسماع من يصيخ السمع لها، وتتفاوت بين تلك الصاخبة العالية وتلك الهادئة المنخفضة، لكنها بعيداً عن كل ذلك تستمد قوة لا متنامية من وحدتها عند العزف، تزودها قدرة لا متناهية من الجمال السمعي التي تشد به آذان من يحرص على الإصغاء الهادئ لسماعها بعد أن يدع كل شيء آخر جانباً، وبقرار ذاتي كي يذوب روحياً في تلك الألحان، كذلك كتاب «20/20» أيضاً، تبدو بعض صفحات «20/20» للوهلة الأولى مؤذية للنظر بسوادها الفاحم وحمرتها الفاقعة ومحتواها المحزن، وأحياناً أخرى مستفزة للمشاعر بخلفياتها السياسية والشعارات التي دونت على الرايات المرفوعة وتسيطر على الكثير من اللقطات التي تحتضنها تلك الصفحات، لكنها رغم كل ذلك وعندما ينظر لها مع تلك الواصفة لاجتماع أو ملتقطة للقاء، يعود الكتاب كي يسلب من يطالع صفحاته القدرة على التوقف عن التصفح قبل أن يصل إلى آخر لقطة فيه، وتحل مكانها رغبة ملحة للاستمرار في التصفح والتمعن.. نصيحة لمن يقتني الكتاب جوهرها أن يطالعه كمن يستمع إلى سمفونية كوحدة واحدة تفقد بريقها، متى ما أسقطت لقطة من اللقطات التي تزخر بها صفحاته.
وكما ارتبطت بعض السيمفونيات في حالات كثيرة بأسماء المايسترو الذي يقود الفرقة التي عزفتها، بدلاً من المؤلف الأصلي الذي وضع سلم موسيقاها، كذلك هنا فمن المتوقع أن ترسخ في أذهان القراء، أو بالأحرى مشاهدي صور (20/20) صورة الكتاب والمقدمة التي تصدرت صفحات والخاتمة التي ذيلت بها آخر تلك الصفحات.
وكما يلتزم من يحضر حفلات عزف السمفونيات بقيم أخلاقية معينة؛ تأتي في المقدمة منها حبس أنفاسهم المعجبة بما يسمعونه من ألحان تعزف، حتى يبيح لهم مايسترو القيام بذلك، سوف أتحاشى الدخول في تقويم ذلك الكتاب الموسوعي كي لا أفسد على من سيقتنيه متعة قراءة شخصية محضة غير متأثرة بآراء مسبقة فرضها عليه من قام بمراجعة لمحتويات ذلك الكتاب، بغض النظر عن موضوعيتها، وسوف أكتفي عوضاً عن ذلك باقتطاع مقتطفات مما ورد فيه، استهلها بما ورد في المقدمة التي تبدو وكأنها الرسالة الذكية المبطنة التي أرادت «ميراكل للنشر» أن تبعث بها ليس لقراء «20/20» فحسب؛ إنما أيضاً لأولئك الذين صنعوا أحداث الأربعين يوماً المتتابعة التي يغطيها الكتاب، والتي تبدأ من 14 فبراير 2011.
ومما جاء في المقدمة فقرات تقول «.. لا يمكن الاستهانة بقوة التصوير الصحافي كأداة تخاطب الوعي الاجتماعي وكسجل لذاكرتنا الجماعية. فالصورة تحوي وتوثق في لقطة تاريخاً يتجلى وتحركات تحدث، وتوترات اجتماعية، وتغييرات في الثقافة والنظام العالمي. جميع ذلك يمكن قراءته في لقطة فوتوغرافية في حدود عدسة الكاميرا وفي المردود البصري لها تكمن الإمكانية والقدرة لقراءة التغيرات».
ثم ينطلق جمعان مضيفاً أن هذا الكتاب «يأتي ضمن ذات النسق؛ إذ إن التسلسل الزمني للصور في هذا الكتاب يأخذكم في رحلة عبر فترة غير مسبوقة للبحرين في عشرين يوماً حافلة بالصعوبة امتدت من 14 فبراير حتى 25 من مارس 2011. تطالعكم على مرمى من أطراف أصابعكم صوراً تنبض بمدى متنوع من المشاعر تتراوح بين الألم والقوة والوحدة كما تسجل ما ألم بالبلاد من اضطراب وفوضى».
رغم كل اللقطات التي ربما تثير بعضاً من التشاؤم المشوب بمسحة من الإحباط، لكن مقدمة «ميراكل للنشر»، لا تدع القارئ وحيداً كي يتحول إلى ضحية لأي منهما، فنجدها تؤكد أنه «ليس هناك شك عند غالبية ممن عايشوا الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، أن وراء الصخب دعوة واضحة للعودة إلى قيم السلام والازدهار في مملكة حريصة وتواقة إلى التقدم بجبهة أكثر وحدة وقوة».
ومرة أخرى، وفي إصرار متعمد يتحاشى التقويم ويتمسك بقسم بمقاييس النقل الصادق، أضع بين عيني القارئ صفحتي 646 و647 المتقابلتين، حيث يقول الكتاب عن أولاهما «محتجون يحيطون برجل أمن ويعتدون عليه بالضرب والرمي بالحصى في المنامة»، أما الأخرى، فهي كما ورد في النص «رجال الأمن مع سيارة خاصة لدفع الماء يتعاملون مع المحتجين الذين أغلقوا شارع الملك فهد».
صورة أخرى تحتل صفحتي 604 و605 تصف مشهداً لأحداث 11 مارس 2011، يصفها الكتاب قائلاً «المحتجون يفرون من أحد المواقع بالقرب من الرفاع خوفاً من الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن لتفريقهم، وذلك بعد أن تجاوز المحتجون الحواجز الأمنية التي أقامتها قوات الأمن».
ولا يخلو الكتاب، رغم الجدية التي سادت صفحاته، من بعض اللقطات الطريفة كتلك الصورة التي احتلت صفحتي 163 و164، تأريخاً لما جرى في يوم 18 فبراير 2011، وجاء في التعليق المصاحب لها «فرحة المحتجين برجوعهم لنصب اللؤلؤة بعدما أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد بسحب القوات الأمنية من دوار مجلس التعاون».
صور أخرى قيمة ومعبرة يصعب حصرها، فهناك تجمع الفاتح، وهناك لقاءات بسيوني، جميعها تعزف سيمفونية «20/20» كما تصدح بها صفحات ذلك الكتاب.
وتنتهي المقدمة، التي حاول من جمع تلك الصور أن تكون بمثابة خاتمة يفصح فيها عن رسالته التي يود أن يبثها للقراء، فخصص لها الصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من الكتاب، بفقرة ناشدهم فيها أن يتحاشوا سوء فهم السرد الذي تقيد به، فيحولوه إلى جزء «من أجندة سياسية أو اجتماعية ما، وهو ليس كذلك، بل هو يسعى إلى التوضيح حيث قد تفشل الكلمة». وأجمل ما في تلك المقدمة، كان آخر سطر فيها، عندما تأمل أن يكون الكتاب «بمثابة تذكير ومناشدة من القلب إلى القيم الإنسانية التي تربط بيننا» والمقصود بكلمة «بيننا»، أبناء البحرين، كما يفهمها القارئ الحصيف، حكومة وشعباً، طوائف كانوا أم مذاهب مختلفة.
وكما تقول الصفحة الأخيرة من «20/20» فإن الكتاب في جوهره هو بمثابة «رحلة دقيقة عبر زمن من الذكريات الجماعية من خلال لحظة غير عادية».