عندما يحاول الباحث أن يتأكد من صدق ردود المستجيب على أسئلة الاستبيان، فإنه يدس فيها عن قصد سؤالاً «ملغوماً» مثل؛ «هل اضطررت للكذب ولو مرةً واحدةً في حياتك؟»، فإذا أجاب الشخص بالنفي فإن الباحث يلجأ إلى استبعاد ردوده من البحث، لأن السؤال هنا ليس عن الكذب كسلوكٍ مرفوضٍ، بل عن الاضطرار إليه. غير أن عالم النفس الأمريكي جون لارسون وزميله ليونارد كيلر لم يكتفيا بذلك، بل أقدما في عام 1920 على اختراع آلةً جديدةً باسم «جهاز الكشف عن الكذب» (البوليغراف) لمساعدة السلطات القانونية في الكشف عن الأفراد الضالعين في قضايا الفساد والجريمة والتجسس والأعمال المحظورة، وتقديمهم للعدالة.
ومع أن هذه الآلة قد أسهمت في اكتشاف حالات الكذب لدى لاعبي البوكر، ونشالي المتاجر، والموظفين الذين يطلبون إجازات مرضية، وغيرهم، إلا أن أنصار استخدام الآلة الذكية لا يزالوا يتجادلون بشأن قدرتها على فرز المذنبين الفعليين بين المشبوهين، وما إذا كان من الأجدى استخدامها لأغراض علاجيةٍ بحتةٍ، خصوصاً بعد رفض المحاكم الأمريكية منذ منتصف القرن الماضي الأخذ بالأدلة المستمدّة من البيانات التي يقدمها اختبار البوليغراف، باعتبار أن هيئة المحلفين بالمحكمة هي القادرة على التمييز بين الحقيقة والزيف في أقوال المتهمين.
تقوم فكرة جهاز الكشف عن الكذب على ردود الفعل الفسيولوجية للفرد في حالة الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه: ازدياد نبضات القلب، وسرعة التنفس، وارتفاع الضغط. غير أن بعض الناس يستطيعون السيطرة على أعصابهم وردود أفعالهم عند الإجابة عن أسئلة الآلة الكاشفة، والبعض الآخر يستطيعون خلسةً استثارة أحاسيس معينة في أثناء الاختبار، مما قد يؤدي إلى التشويش على عمل الجهاز، والتوصل إلى نتائج غير حاسمة بالنسبة للشخص قيد الاختبار. ولهذا السبب، تمكن ألدريتش أميس، ضابط الاستخبارات الأمريكية المسئول عن الملف السوفيتي، من خداع جهاز البوليغراف ثلاث مرات قبل أن يتضح أنه عميل مزدوج للبلدين. إن الإنسان لا يميل أحياناً إلى قول الصدق ربما لأن التفوّه بالحقيقة دون تحقيق نتائج طيبة يعتبر أمراً مزعجاً، وربما لأن الأكاذيب البيضاء غير مقبولة لأنها تخلو من الإثارة والمتعة المنشودة!.