في منتدى حوار المنامة، دعا سمو ولي العهد مجدداً في كلمته التي ألقاها في المنتدى إلى الحوار بين الدولة وجميع القوى السياسية. وهذه الدعوة ليست بالجديدة من سموه؛ لأنه هو أول من أطلق مبادرة بشأن الحوار الوطني عشية أزمة فبراير 2011، والتي عرفت باسمه آنذاك وكان الهدف منها الخروج من الأزمة السياسية التي تسببت فيه الجماعات السياسية التي أرادت وقتها الانقلاب على الدستور والدولة.
إن القراءة الأولية في الفكر السياسي لسمو ولي العهد تدل على أن الحوار جزء من تفكيره السياسي، فهو مؤمن بالحوار كمبدأ في العمل السياسي وأنه -أي الحوار- ركن أصيل من أركان النظم الديمقراطية، وبما أن البحرين قد اختارت النظام الديمقراطي في الحكم فكان من الطبيعي جداً أن يحرص سموه دائماً على استخدام هذا الأسلوب في حل المشكلات السياسية التي تواجه البلاد؛ لأنه يدرك بأنه الطريق الأسلم لتسوية الاختلافات بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية. كما يعي تماماً بأن الدول التي تؤمن بالديمقراطية، خصوصاً الغربية منها، تحبذ هذا الأسلوب على غيره في معالجة القضايا السياسية، ولذا فهو أراد أن يلفت نظرها إلى أن مملكة البحرين في تعاطيها مع الأزمة السياسية كانت جادة في معالجة الأزمة عن طريق الحوار، وهي على قناعة تامة بأنه هو الطريق الأفضل لحل كافة الإشكاليات المتعلقة بهذا الملف، وهي لم تلق هذا الخيار من حساباتها السياسية وقد عبرت القيادة السياسية وفي أكثر مناسبة تأكيدها على هذا التوجه؛ بدليل أن جلالة الملك قد دعا إلى الحوار وتم عقده في صيف 2011 وشاركت فيه كل القوى السياسية بما فيها الوفاق التي ضاق صدرها بوجود كل الأطراف السياسية على مائدة الحوار، لذا سرعان ما انسحبت من جلساته بحجة أنه لم يلب مطالبها، ولم يكن في مستوى طموحها وهذه مبررات غير مقبولة؛ لأن الحقيقة هي أن الوفاق تريد أن تنفرد بالقرار وتفرض أجندتها على كل التيارات والقوى السياسية المشاركة في الحوار متهمة تلك القوى المخالفة لها في الرأي بأنها موالية للحكومة لذا يجب إقصائها، وهذا خروج على قواعد اللعبة الديمقراطية التي تسمح لجميع الأطراف بالمشاركة في صنع القرار السياسي (موالاة ومعارضة) إقراراً بمبدأ التعددية التي تقوم عليها الديمقراطية.
من هذا المنطلق، جاءت دعوة سمو ولي العهد للحوار مجدداً خلال كلمته في منتدى حوار المنامة الأخير والتي قابلتها جمعية الوفاق بترحاب شديد هذه المرة ودون شروط مسبقة، وهذه خطوة تبدو لأول وهلة أن الوفاق قد تخلت عن مواقفها المتشددة إزاء الحوار، وأنها وجدت فيه الخلاص من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لكن معطيات الواقع تقول غير ذلك؛ إذ إن قبول الوفاق للحوار وإقدامها على هذه الخطوة جاء بفعل نصائح أسداها لها أصدقاؤها الأمريكيين الذين كانوا يترددون على البحرين من أمثال مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وغيرهم. فهم وجدوا في دعوة سمو ولي العهد الفرصة في إحياء دور الوفاق في المشهد السياسي بعد انحساره بسبب انكشاف طائفية حراكها وتقديمها على أنها حركة سلمية تنبذ العنف بعد أن أدانتها كثير من الدول والمنظمات ووصفتها بأنها «حركة طائفية»، وجاءت هذه الإدانة بعد أن أزيلت الغشاوة عن أبصار تلك الدول وانكشف لها المستور بأن ما كانت تسوقه جمعية الوفاق والفضائيات الإيرانية والعراقية الداعمة لها حول ما جرى في البحرين غير صحيح، إذ إن ما قامت به ليس «بثورة» وليس امتداداً لما يسمى بثورات الربيع العربي، وإنما هي حركة طائفية تدعمها قوة إقليمية تتقاطع معها في نفس التوجهات والمصالح.
نتيجة لذلك، فقد تحرك المسؤولون الأمريكيون وكثفوا من اتصالاتهم بقيادات الوفاق من أجل تعديل هذه الصورة السلبية، بل أن هؤلاء المسؤولين، وعلى رأسهم سفير واشنطن لدى البحرين، ذهبوا في هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك في بحثهم عن الوسائل التي تساعد على تمكين الوفاق والدفع بها لتكون في الواجهة من المشهد السياسي مرة أخرى، وتكون اللاعب الأساسي في العملية السياسية، حيث قاموا بالاتصال ببعض القوى السنية وحثها على المشاركة في الحراك السياسي من أجل إسقاط الصفة الطائفية عن الوفاق وإضفاء مظاهر الوطنية عليها، وللأسف الشديد نجحت المساعي الأمريكية في جذب بعض الشباب المتحمس للتغيير واستمالتهم للانخراط في الحراك السياسي.
من هنا نقول إن قبول الوفاق بالحوار واستعدادها للمشاركة فيه دون شروط مسبقة جاء بتوصية وبمباركة من «ماما أمريكا». ومما يؤكد ذلك تصريحات وزير العدل الأخيرة أمام أعضاء مجلس النواب في جلسة الأسبوع الماضي في معرض حديثه عن الحوار التي أكد فيها على أن الحوار من الثوابت في السياسة البحرينية، وأن الجميع مدعو للمشاركة فيه دون تدخل أي جهة أجنبية، وذهب في هذا السياق إلى القول «هناك بعض الأشخاص يريدون أن يحتفظوا بحق الفيتو على حياتنا»، مؤكداً في الوقت ذاته على أنه «لن يقرر مصير هذا البلد إلا أهله». وفي هذه التصريحات رسالة واضحة للوفاق وهي أن الاستقواء بالخارج وإعطاؤه الفرصة للتدخل في توجيه بوصلة الحوار أمر مرفوض من الدولة والشعب، كما أن باب الحوار مفتوح للجميع؛ وهذا يعني أن الدعوة للحوار ستوجه لجميع الأطراف السياسية ولن يتم استثناء أحد من المشاركة فيه، وأن القاعدة التي ستبنى عليها القرارات هي التوافق.
خلاصة القول إن الدولة جادة في إطلاق الحوار وأنها عازمة على توفير الأرضية التي تهيئ له النجاح يؤيدها في ذلك التوجه مجلسا النواب والشورى، لكن السؤال المهم هو؛ هل القوى السياسية وعلى رأسها الوفاق لديها نفس الإحساس وتسعى بالفعل إلى نجاح الحوار في تحقيق أهدافه بعيداً عن التدخلات الأجنبية؟
إن الإجابة عن هذا السؤال هو ما ستكشفه الأيام المقبلة إذا ما تم عقد الحوار الوطني.
{{ article.visit_count }}
إن القراءة الأولية في الفكر السياسي لسمو ولي العهد تدل على أن الحوار جزء من تفكيره السياسي، فهو مؤمن بالحوار كمبدأ في العمل السياسي وأنه -أي الحوار- ركن أصيل من أركان النظم الديمقراطية، وبما أن البحرين قد اختارت النظام الديمقراطي في الحكم فكان من الطبيعي جداً أن يحرص سموه دائماً على استخدام هذا الأسلوب في حل المشكلات السياسية التي تواجه البلاد؛ لأنه يدرك بأنه الطريق الأسلم لتسوية الاختلافات بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية. كما يعي تماماً بأن الدول التي تؤمن بالديمقراطية، خصوصاً الغربية منها، تحبذ هذا الأسلوب على غيره في معالجة القضايا السياسية، ولذا فهو أراد أن يلفت نظرها إلى أن مملكة البحرين في تعاطيها مع الأزمة السياسية كانت جادة في معالجة الأزمة عن طريق الحوار، وهي على قناعة تامة بأنه هو الطريق الأفضل لحل كافة الإشكاليات المتعلقة بهذا الملف، وهي لم تلق هذا الخيار من حساباتها السياسية وقد عبرت القيادة السياسية وفي أكثر مناسبة تأكيدها على هذا التوجه؛ بدليل أن جلالة الملك قد دعا إلى الحوار وتم عقده في صيف 2011 وشاركت فيه كل القوى السياسية بما فيها الوفاق التي ضاق صدرها بوجود كل الأطراف السياسية على مائدة الحوار، لذا سرعان ما انسحبت من جلساته بحجة أنه لم يلب مطالبها، ولم يكن في مستوى طموحها وهذه مبررات غير مقبولة؛ لأن الحقيقة هي أن الوفاق تريد أن تنفرد بالقرار وتفرض أجندتها على كل التيارات والقوى السياسية المشاركة في الحوار متهمة تلك القوى المخالفة لها في الرأي بأنها موالية للحكومة لذا يجب إقصائها، وهذا خروج على قواعد اللعبة الديمقراطية التي تسمح لجميع الأطراف بالمشاركة في صنع القرار السياسي (موالاة ومعارضة) إقراراً بمبدأ التعددية التي تقوم عليها الديمقراطية.
من هذا المنطلق، جاءت دعوة سمو ولي العهد للحوار مجدداً خلال كلمته في منتدى حوار المنامة الأخير والتي قابلتها جمعية الوفاق بترحاب شديد هذه المرة ودون شروط مسبقة، وهذه خطوة تبدو لأول وهلة أن الوفاق قد تخلت عن مواقفها المتشددة إزاء الحوار، وأنها وجدت فيه الخلاص من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، لكن معطيات الواقع تقول غير ذلك؛ إذ إن قبول الوفاق للحوار وإقدامها على هذه الخطوة جاء بفعل نصائح أسداها لها أصدقاؤها الأمريكيين الذين كانوا يترددون على البحرين من أمثال مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وغيرهم. فهم وجدوا في دعوة سمو ولي العهد الفرصة في إحياء دور الوفاق في المشهد السياسي بعد انحساره بسبب انكشاف طائفية حراكها وتقديمها على أنها حركة سلمية تنبذ العنف بعد أن أدانتها كثير من الدول والمنظمات ووصفتها بأنها «حركة طائفية»، وجاءت هذه الإدانة بعد أن أزيلت الغشاوة عن أبصار تلك الدول وانكشف لها المستور بأن ما كانت تسوقه جمعية الوفاق والفضائيات الإيرانية والعراقية الداعمة لها حول ما جرى في البحرين غير صحيح، إذ إن ما قامت به ليس «بثورة» وليس امتداداً لما يسمى بثورات الربيع العربي، وإنما هي حركة طائفية تدعمها قوة إقليمية تتقاطع معها في نفس التوجهات والمصالح.
نتيجة لذلك، فقد تحرك المسؤولون الأمريكيون وكثفوا من اتصالاتهم بقيادات الوفاق من أجل تعديل هذه الصورة السلبية، بل أن هؤلاء المسؤولين، وعلى رأسهم سفير واشنطن لدى البحرين، ذهبوا في هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك في بحثهم عن الوسائل التي تساعد على تمكين الوفاق والدفع بها لتكون في الواجهة من المشهد السياسي مرة أخرى، وتكون اللاعب الأساسي في العملية السياسية، حيث قاموا بالاتصال ببعض القوى السنية وحثها على المشاركة في الحراك السياسي من أجل إسقاط الصفة الطائفية عن الوفاق وإضفاء مظاهر الوطنية عليها، وللأسف الشديد نجحت المساعي الأمريكية في جذب بعض الشباب المتحمس للتغيير واستمالتهم للانخراط في الحراك السياسي.
من هنا نقول إن قبول الوفاق بالحوار واستعدادها للمشاركة فيه دون شروط مسبقة جاء بتوصية وبمباركة من «ماما أمريكا». ومما يؤكد ذلك تصريحات وزير العدل الأخيرة أمام أعضاء مجلس النواب في جلسة الأسبوع الماضي في معرض حديثه عن الحوار التي أكد فيها على أن الحوار من الثوابت في السياسة البحرينية، وأن الجميع مدعو للمشاركة فيه دون تدخل أي جهة أجنبية، وذهب في هذا السياق إلى القول «هناك بعض الأشخاص يريدون أن يحتفظوا بحق الفيتو على حياتنا»، مؤكداً في الوقت ذاته على أنه «لن يقرر مصير هذا البلد إلا أهله». وفي هذه التصريحات رسالة واضحة للوفاق وهي أن الاستقواء بالخارج وإعطاؤه الفرصة للتدخل في توجيه بوصلة الحوار أمر مرفوض من الدولة والشعب، كما أن باب الحوار مفتوح للجميع؛ وهذا يعني أن الدعوة للحوار ستوجه لجميع الأطراف السياسية ولن يتم استثناء أحد من المشاركة فيه، وأن القاعدة التي ستبنى عليها القرارات هي التوافق.
خلاصة القول إن الدولة جادة في إطلاق الحوار وأنها عازمة على توفير الأرضية التي تهيئ له النجاح يؤيدها في ذلك التوجه مجلسا النواب والشورى، لكن السؤال المهم هو؛ هل القوى السياسية وعلى رأسها الوفاق لديها نفس الإحساس وتسعى بالفعل إلى نجاح الحوار في تحقيق أهدافه بعيداً عن التدخلات الأجنبية؟
إن الإجابة عن هذا السؤال هو ما ستكشفه الأيام المقبلة إذا ما تم عقد الحوار الوطني.