الندوة الحوارية التي عقدها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولة والطاقة تم توصيفها على أنها «تمهيد للحوار»، رغم أنها عقدت بصورة مفاجئة بالنسبة للمواطن البسيط الذي عبر عن رأيه بشأن الحوار خاصة إن لم تسبقه إجراءات تضع النقاط على الحروف. هذه الندوة خرج بعض من جلس فيها ليقول بأن ما جرى فيها «لا يرقى لمستوى الحوار»، وهي نتيجة متوقعة سلفاً.
إن كانت هذه الندوة بمثابة «جس النبض» فإنها تؤكد بأن الفئات المؤزمة مازالت مصرة على المطالبة بأن يطبق القانون «على مزاجها» هي فقط، بحيث طالبت بإطلاق سراح الموقوفين على ذمم قضايا ماسة بالأمن الوطني، معتبرة أن ذلك يؤسس لحوار إيجابي من وجهة نظرها. أما الأطراف الأخرى فقد طالبت بأن يتم وقف العنف كشرط أساسي لحوار إيجابي مثمر، وهذه مسألة لن تحصل أصلاً لأن قوى التأزيم تعتبرها ورقة لاستمرار المساومة مع الدولة. قراءة استباقية لما سنشهده في أي حوار يقام تشير لأن قوى التأزيم لن تتنازل عن وضع شروط وشروط وطلبات إن لم تحققها الدولة فإن الحوار «لا يرقى لمستوى الطموح».
هنا من العبث التساؤل عن مستوى طموح من سعى الانقلاب على البلد، باعتبار أنهم عبروا عن طموحهم منذ فبراير 2011 وحتى اليوم. طموحهم يكمن في توصيفهم نفسه، انقلاب على البلد، إسقاط لشرعية النظام، استهداف صريح وواضح لرئيس الوزراء، وصولاً لتسقيط ملك البلاد والتطاول على كل شخص وقف ليدافع عن بلده بوصفه مأجوراً وعميلاً ومرتزقاً.
هذه ممارسات القوى التأزيمية التي مازالت تمارسها، قوى تأزيمية من الاستحالة أن تعترف بارتكابها خطأ واحداً، بينما الأخطاء -بحسب مقاييسها- كلها صدرت من قبل الدولة والمكونات الأخرى! تخيلوا أنهم من سعوا للانقلاب على البلد وفعلوا ما فعلوا واليوم لا يريدون بأن يلاموا على الإطلاق، بل أن يقال لهم «آمروا وتدللوا»! مثلما يضعون الشروط في كل خطاب وتصريح يصدرونه اليوم، في حالة تجسد الكذب والمناورة بشأن التعاطي مع الحوار، خاصة حينما قالوا بأنهم يقبلون الدخول فيه دون شروط والآن بدأت تتوالد شروطهم وتتكرر، مثلما يضعون هذه الشروط فإن على المكونات المخلصة الوطنية أن تضع شروطها بقوة، وأن تحدد الثوابت التي لا يجب تجاوزها والتي لا يجب حتى النقاش بشأنها فقط سعياً لمنح الانقلابيين فرصة العودة لطاولة الحوار.
أول الثوابت أن يكون هناك إقرار بالأخطاء والجرائم التي ارتكبت بحق هذا البلد. إذ المطالبة بتطبيق القانون على مخالفيه ثابت لا يجب التهاون فيه أو التراجع عنه، فهنا لسنا نتحدث عن حقوق يملكها أفراد أو أشخاص محددون، بل نتحدث عن حقوق عامة يملكها المجتمع ومعنية بالمكونات التي تضررت في معيشتها وأمنها وسلامتها ووجودها. ثوابت شرعية النظام والدولة هي التي لا يجب التفاوض فيها بأي حال من الأحوار، يجب أن تعلن قوى التأزيم بصراحة أنها ضد كل شعارات التسقيط وضد كل من يرفعها في تجمعاتها التحريضية، والأهم أن تعتذر بشكل واضح لملك البلاد الذي تمت الإساءة إليه بسببها. يجب أن تستوعب بأن رئيس وزراء البحرين يمثل «خطاً أحمر» لدى جميع المكونات المخلصة، وأن موقعه مسألة ليست قابلة للنقاش فقط لأن قوى التأزيم تطمع في الاستحواذ على الحكومة. إذ من قال بأن المخلصين سيقبلون بالتطاول على رجل بنى هذا البلد ومازال يمثل حجر الزاوية في ثباتها واستقرارها؟! نعرف تماماً بأنكم تستهدفون خليفة بن سلمان منذ البداية وحتى اليوم، بالتالي هذه مسألة سيقف كل مخلص وطني ضدكم فيها وبكل قوة وحزم. عليهم أن يستوعبوا أن هذه الدولة من الاستحالة أن يتم «تفصيلها» حسبما يريدون هم، ووفقاً لما يدفع به ممارسو الضغط على النظام، أو من خلال تحريك منظمات تتعاطى مع البحرين بنظرة عوراء خالية من العدالة والإنصاف.
هذه ثوابت من الاستحالة التنازل عنها ومن الاستحالة التفاوض بشأنها. الندوة التي أقيمت كشفت أن هذه الجمعيات التأزيمية مهما فعلت لها الدولة، ومهما كانت هناك جهود لتهدئة الأمور فإنها لن تتوقف عن استغلال كل فرصة لإثارة الفوضى والتوتر من جديد، لن تتوقف عن «تفصيل» الأمور بحسب مقاييسها رافضة في نفس الوقت أن تقبل بآراء المكونات الأخرى.
هل فعلاً تتوقعون حواراً مثمراً مع فئات «مستوى طموحها» إسقاط النظام وإن لم يكن اليوم فإنه سيكون غداً؟! ألم يقل علي سلمان «سنحاول مرة أخرى بعد عشر سنوات»؟!