الإشكال الذي واجه أي حوار أقيم بالأمس أو يقام اليوم أو يزمع إقامته في المستقبل لم ولن يرتبط بأي من مكونات المجتمع المتمسكة بثوابت الدولة والشرعية والقانون، بل الإشكال دائماً ما كان وسيكون متمثلاً بمن يدعون سعيهم للمطالبة بالديمقراطية واحترام حرية الرأي والاختلاف وهم في نفس الوقت يناقضون ادعاءهم ذلك وبالإثباتات.
من يدعي حرصه على الديمقراطية ومن يرفع شعارات حرية الرأي ويوهم الآخرين بأنه مع «ثقافة الاختلاف» هم اليوم الذين يثبتون من خلال حراكهم وخطاباتهم ومواقعهم أنهم لا يتقبلون أن تقال لهم كلمة «لا»، وأنهم هم الذين لا يستحملون سماع الرأي المخالف لهم، وأن كل من يختلف معهم يجب أن يوصف بأقذع الألفاظ ويشكك في وطنيته ونزاهته.
هؤلاء حتى ولو طرحت الدولة ألف حوار وحوار ودعتهم للدخول فيه، فإن ذلك لن يعجبهم خاصة وأن الدولة ملزمة ومطالبة -وهي أصلاً تدرك ذلك- بالحرص على وجود جميع أطياف المجتمع بلا استثناء.
المؤزمون يريدون الاستفراد بالدولة، وهذا ما لن يحصل، إذ لن تقف بقية مكونات المجتمع تتفرج، وحتى الدولة لن تقبل بأن ترسم مستقبل كيان بناء على حوار لا توجد فيه جميع مكونات الشعب.
الحوار مع من يرفض أهم مبادئ الحوار ومن يرفض القبول برأي الأغلبية أو أقلها احترام المختلفين معه لا يعتبر حواراً، بل مضيعة وقت لهذا الوطن.
هنا نقطة هامة يجب أن يتم إيضاحها، إذ بدأ بعض الانقلابيين وكعادتهم -كونهم ممارسين محترفين لهواية الفبركة- يروج لها عبر تفسير خارج عن نصه الصحيح، إذ المكونات المخلصة ليست رافضة لأي حوار بأي شكل من الأشكال وفي أي وقت من الأوقات وليست معطلة له، بل هي رافضة بأن تدخل حواراً جديداً مع جماعات لن تدخله إلا بنية تحقيق كل أجندتها وتنفيذ كل مطالبها دون نقاش، وإن تمت مخالفتها في نقطة واحدة ستعود لتعطيل كل شيء، ستنسحب ثم ستدعي بأن الحوار «دون المستوى المطلوب»!
الرفض هنا بتفصيل البلد حسبما تريده مجموعات محددة لديها أجندة كشفت عنها تماماً خلال الأحداث، الرفض هنا بأن تقرر هي مصير حوار وطني، أو تمتلك حق تقييمه بمعزل عن غيرها.
هم يدعون دفاعهم عن الديمقراطية لكنهم يرفضون أهم مبدأ فيها وهو احترام الرأي الآخر. الآراء الأخرى بالنسبة لهم آراء مرتزقة ومأجورين وعملاء للنظام لأنها تخالف رأيهم. ألم يصف علي سلمان المختلفين مع الوفاق بأقذع الصفات وأبشعها وأخذ يصنف الناس على مزاجه وهواه، ثم يستاء هو وجماعته حينما يتم الرد عليهم ووصفهم بـ»خدم» لجهات خارجية؟! أقلها أنتم وصفتم أنفسكم بها، أحدكم قال لمسؤول أجنبي بأنه «خادمهم»، وعلي سلمان وصف نفسه بـ»خادم» لممثل الولي الفقيه «المعمد» من المرجعية الدينية في إيران!
لاحظوا هنا بأنه منذ أشار سمو ولي العهد لـ»الحوار» إلى اليوم أخذت الوفاق تكشف عن نواياها يوماً عن يوم وتوضح بأن ما قالته بشأن قبولها الدخول في حوار «بدون شروط» ما هي إلا «تقية سياسية» أكدتها تصريحات المشاركين منها في ندوة مركز الدراسات الأسبوع الماضي حينما قالوا بأن ما طرح فيها «دون مستوى الحوار»، طبعاً كلنا نعرف مستوى الحوار الذي تريده الوفاق، تذكروا رسالتهم التي سبقت الحوار الذي دعا له جلالة الملك، حينما طلبوا أن يكون الحوار بين خمسة ممثلين عن الدولة وخمسة يمثلون المعارضة «فقط»، وضعوا ألف خط تحت كلمة «فقط».
هؤلاء لا يعترفون أصلاً بمكونات أخرى في المجتمع، ولا يريدون أن يسمعوا صوتهم أو يقبلوا برأيهم، يريدون الاستفراد بالدولة وهو ما لن يحصل، والإيجابي هو ما صدر عن ديوان سمو ولي العهد بأن أي حوار مستقبلي سيكون بين ممثلي «كافة» مكونات المجتمع المدني، وهنا ضعوا ألف خط تحت كلمة «كافة».
نعم، إن كان من أمر معني بمصير هذه الدولة ورسم مستقبلها لابد وأن يكون بوجود جميع مكونات الشعب، لابد وأن يكون بوجود من وصفتهم الوفاق وأذيالها بأنهم مأجورون للنظام وعملاء ومرتزقة، لأن على الوفاق أيضاً أن تسمع رأي بقية المكونات فيها وفي هذا الشأن لدى هذه المكونات الكثير لتقوله.
عموماً، إن كانت ندوة الأسبوع الماضي ساعية لتحديد الاتجاهات من فكرة عقد حوار مستقبلي، فإن الوفاق كشفت نفسها بوضوح بأنها تخطط لإعادة سيناريو الحوار السابق وستخرج بعدها لتكرر نفس التوصيف بأن ما حصل «دون مستوى الحوار» حسب تفصيلها هي، بالتالي نؤمن بأن هذا الوطن لديه ملفات أهم معنية باحتياجات الشعب وتحسين الخدمات الاجتماعية والمعيشية الموجهة له، هذه الملفات التي تستحق استهلاك الوقت فيها عوضاً عن تضييع الوقت في محاولات عبثية تدفع بالوفاق لـ»إعلان التوبة»!
أسيادهم لا يريدون أن يكفوا أيديهم عن البحرين، بالتالي كيف تريدون لمن يعترف بأنه «خادمهم» أن «يتوب»؟!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}