بعد مداولات استغرقت ما يزيد على اليومين، توصلت الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري المعارض التي تعقد اجتماعاتها في العاصمة القطرية الدوحة، إلى انتخاب جورج صبرا رئيساً لها. وأجمعت وكالات الأنباء التي تناقلت الخبر على وصف صبرا بـأنه «المسيحي والشيوعي السابق». ولمن لا يعرف صبرا؛ فهو خريج دار المعلمين السورية و»خبير بتقنيات أنظمة التعليم والتلفزيون التربوي من جامعة انديانا الأمريكية 1978». أما على المستوى السياسي فهو أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري، وهو أحد ضحايا نظام الأسد «الأب والابن»، فقد تعرض، كما تقول سيرته الذاتية «للملاحقة في حملة أمنية على الحزب عام 1984، فتوارى عن الأنظار لمدة ثلاث سنوات أمضاها داخل البلاد، وقد انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب عام 1985، واعتقل عام 1987. حكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات من قبل محكمة أمن الدولة العليا، أمضاها في سجن صيدنايا العسكري، وأطلق سراحه عام 1995 بعد انقضاء فترة الحكم». هذا يعني، إلى جانب معلومات أخرى، أن صبرا أحد الرموز الوطنية التي يحق لها ممارسة العمل السياسي في الساحة السورية ومن منصات قيادية من مستوى تلك التي بات يحتلها صبرا اليوم.
لكن ليس هذا كل شيء، فهناك ما هو اهم من ذلك، وهو هل كان اختيار صبرا موفقا، وما هو انعكاساته على مسار الثورة السورية في المستقبل المنظور، وعلى المستوى البعيد؟ بعبارة أخرى هل سيكون صبرا العصا السحرية التي توصل الثورة السورية إلى الأهداف التي تطرحها؟
كان يمكن أن يكون اختيار صبرا لهذا المنصب نموذجياً، لو أنه أتى في ظروف طبيعية مختلفة عن تلك التي تمر بها المنطقة العربية اليوم، خصوصاً بعد النهايات التي آلت إليها الأوضاع في كل من ليبيا وسوريا ومعهما مصر. فرغم كل التبريرات التي أطلقتها الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري، لكن الحقيقة أن الانتخاب جاء قسرياً ومفتعلاً كي يوهم الأمانة العامة قبل غيرها، أن قرارها جاء كي ينفي الصبغة الإسلامية عنها.
ليس القصد هنا توجيه نقد للأمانة العامة، كون أغلبيتها ذات اتجاه سياسي إسلامي، فكل الحق للقوى السياسية الإسلامية ان تنعم بحصتها التي تتناسب وثقلها السياسي في الشارع السوري، طالما التزمت تلك القوى بميثاق عقد اجتماعي يمكنها من إدارة الدولة من منطلقات عصرية، لكن ذلك لا يمنع من تخطئة الأمانة العامة، حين تتوهم أن اختيار رئيس «مسيحي شيوعي» يمنحها صك البراءة الذي تبحث عنه، كي تنعم بالابتعاد عن الطائفية وتكتسب الصفة المدنية. فالمشكلة أعمق من ذلك، وحلها يتطلب أبعد من مجرد تغيير شكلي طفيف في انتماءات الأفراد السياسية أو خلفياتهم الدينية، كما لمسنا عند انتخاب صبرا رئيساً.
مسائل أخرى أكثر أهمية من إعادة ترتيب الهيكل التنظيمي، لها علاقة بمستقبل المجلس الوطني السوري، وهي ذات شقين؛ الأول مصدره الأوضاع السورية الداخلية، والثاني ينبع من العلاقات الدولية الخارجية وفي المقدمة منها تلك المتصلة بدول مثل روسيا والولايات المتحدة.
فعلى المستوى الداخلي مازال المجلس الوطني السوري غير قادر على استقطاب القوى السياسية المعارضة كافة تحت لوائه أو الدخول معها في جبهة تحالف عريضة، وهذا باعتراف المجلس ذاته، وكما جاء في البيان الصادر عن مبادرة لتوحيد المعارضة عرفت بـ «هيئة المبادرة الوطنية السورية»، الذي علنت فيه لجان التنسيق المحلية انسحابها من المجلس الوطني بعد أن جاءت نتائج إعادة الهيكلة مخيبة للآمال، ثم أوضحت الناطقة باسم اللجان ريما فليحان أن «هناك سيطرة شبه كاملة لجماعة الإخوان المسلمين على المجلس»، مبررة انسحابهم من المجلس إنما جاء بعد أن تبين أن «شيئاً لم يتغير في أداء المجلس برغم مشروع الإصلاح، وأن التركيبة الجديدة (التي تم انتخابها خلال اليومين الماضيين) كرست سيطرة فئة معينة وغلبت طابعاً واحداً». ويبدو أن المجلس يعكف الآن على دراسة الصيغة النهائية لمبادرة تهدف إلى «توحيد المعارضة من خلال تشكيل (مؤتمر وطني) في (الأراضي المحررة) يضم 300 عضو يمثلون المجلس الوطني والتنسيقيات المحلية والجيش الوطني الحر والشخصيات المنشقة».
هذه المساعي من أجل توحيد الصفوف المعارضة، والتي ما تزال بحاجة إلى الكثير من الجهود المثابرة اعترف بها أيضاً رئيس المجلس عبدالباسط سيدا حين وصف الاجتماع بأنه «لقاء تشاوري بين المجلس الوطني السوري والقوى الميدانية في الداخل والأطراف الأساسية في المعارضة السورية بهدف التباحث حول توحيد الرؤى والمواقف وحتى تشكيل هيئة مسؤولة تمثل كل السوريين تكون بمثابة سلطة تنفيذية».
على الصعيد الداخلي أيضاً، هناك تشبث بشار الأسد بالسلطة، وإصراره على أن يكون الطرف المنتصر في الصراع الدائر اليوم. أي أن النظام القائم لم يصل حتى الآن إلى اللحظة الحاسمة التي يعلن فيها تنحيه عن السلطة. هذا ما كشفت عنه المقابلة التي أجرتها قناة «روسيا اليوم» مع بشار الأسد مؤخراً، وقال فيها «لست دمية ولم يصنعني الغرب كي أذهب الى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري، أنا من صنع سوريا، وسأعيش وسأموت في سوريا». بغض النظر عن تقويمات المجتمع الدولي لمدى قدرة نظام الأسد على الصمود، لكن تصريحات مثل تلك التي أدلى بها الأسد، تؤكد ان نقطة الحسم ما تزال بعيدة وبحاجة إلى المزيد من الجهود من أجل إنضاج ظروفها.
كان ذلك على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فتكفي الإشارة إلى الموقف الروسي، وهو مهم في معادلة القوى المتصارعة، والذي عبر عنه مؤخراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين اتهم الأطراف التي وصفها بـ «المؤثرة على المعارضة السورية بتشجيعها على مواصلة القتال بدلاً من دفعها إلى الجلوس على مائدة المفاوضات». وأتبع لافروف ذلك، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو بالقول «لسنا نحن الذين نتمتع بالتأثير الحاسم على المعارضة السورية، وأعتقد أن الذين يتمتعون بهذا التأثير لابد أن يبذلوا الجهد لتنفيذ اتفاقيات ومبادئ جنيف، وتشجيع المعارضة على الجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة لمناقشة برامج ومواعيد المرحلة الانتقالية». هذا يعني أنه ما تزال موسكو تقف إلى جانب نظام الأسد، وهناك مسافة طويلة تفصلها عن دعم الجهات السورية المعارضة، الأمر الذي يعقد من مهمات هذه الأخيرة، ويضيف لها أعباء أخرى ثقيلة على كاهلها. وهذا يفسر رد جورج صبرا، قبل انتخابه رئيساً، وعندما كان عضواً في المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري على «دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المعارضة للتوحّد والحوار مع الحكومة» قائلاً في حديث إلى صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية «هنيئًاً لروسيا بنظام القتل ورئيسه، الذي إذا كان لافروف لا يزال بالنسبة إليه حاكماً على سوريا فنحن نعتبره محتلاً».
هذا يعيدنا إلى المربع الأول حول جدوى انتخاب صبرا رئيساً. كل المؤشرات تقول، وكما أوضحنا أعلاه إن مجيء صبرا لن يكون بمثابة العصا السحرية التي تزيل كل الألغام المنتشرة في طريق الثورة السورية من أمامها. وإن هناك ما هو أهم من ذلك الانتخاب بكثير، وأشد حاجة وإلحاحاً للمعالجة.
لكن ليس هذا كل شيء، فهناك ما هو اهم من ذلك، وهو هل كان اختيار صبرا موفقا، وما هو انعكاساته على مسار الثورة السورية في المستقبل المنظور، وعلى المستوى البعيد؟ بعبارة أخرى هل سيكون صبرا العصا السحرية التي توصل الثورة السورية إلى الأهداف التي تطرحها؟
كان يمكن أن يكون اختيار صبرا لهذا المنصب نموذجياً، لو أنه أتى في ظروف طبيعية مختلفة عن تلك التي تمر بها المنطقة العربية اليوم، خصوصاً بعد النهايات التي آلت إليها الأوضاع في كل من ليبيا وسوريا ومعهما مصر. فرغم كل التبريرات التي أطلقتها الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري، لكن الحقيقة أن الانتخاب جاء قسرياً ومفتعلاً كي يوهم الأمانة العامة قبل غيرها، أن قرارها جاء كي ينفي الصبغة الإسلامية عنها.
ليس القصد هنا توجيه نقد للأمانة العامة، كون أغلبيتها ذات اتجاه سياسي إسلامي، فكل الحق للقوى السياسية الإسلامية ان تنعم بحصتها التي تتناسب وثقلها السياسي في الشارع السوري، طالما التزمت تلك القوى بميثاق عقد اجتماعي يمكنها من إدارة الدولة من منطلقات عصرية، لكن ذلك لا يمنع من تخطئة الأمانة العامة، حين تتوهم أن اختيار رئيس «مسيحي شيوعي» يمنحها صك البراءة الذي تبحث عنه، كي تنعم بالابتعاد عن الطائفية وتكتسب الصفة المدنية. فالمشكلة أعمق من ذلك، وحلها يتطلب أبعد من مجرد تغيير شكلي طفيف في انتماءات الأفراد السياسية أو خلفياتهم الدينية، كما لمسنا عند انتخاب صبرا رئيساً.
مسائل أخرى أكثر أهمية من إعادة ترتيب الهيكل التنظيمي، لها علاقة بمستقبل المجلس الوطني السوري، وهي ذات شقين؛ الأول مصدره الأوضاع السورية الداخلية، والثاني ينبع من العلاقات الدولية الخارجية وفي المقدمة منها تلك المتصلة بدول مثل روسيا والولايات المتحدة.
فعلى المستوى الداخلي مازال المجلس الوطني السوري غير قادر على استقطاب القوى السياسية المعارضة كافة تحت لوائه أو الدخول معها في جبهة تحالف عريضة، وهذا باعتراف المجلس ذاته، وكما جاء في البيان الصادر عن مبادرة لتوحيد المعارضة عرفت بـ «هيئة المبادرة الوطنية السورية»، الذي علنت فيه لجان التنسيق المحلية انسحابها من المجلس الوطني بعد أن جاءت نتائج إعادة الهيكلة مخيبة للآمال، ثم أوضحت الناطقة باسم اللجان ريما فليحان أن «هناك سيطرة شبه كاملة لجماعة الإخوان المسلمين على المجلس»، مبررة انسحابهم من المجلس إنما جاء بعد أن تبين أن «شيئاً لم يتغير في أداء المجلس برغم مشروع الإصلاح، وأن التركيبة الجديدة (التي تم انتخابها خلال اليومين الماضيين) كرست سيطرة فئة معينة وغلبت طابعاً واحداً». ويبدو أن المجلس يعكف الآن على دراسة الصيغة النهائية لمبادرة تهدف إلى «توحيد المعارضة من خلال تشكيل (مؤتمر وطني) في (الأراضي المحررة) يضم 300 عضو يمثلون المجلس الوطني والتنسيقيات المحلية والجيش الوطني الحر والشخصيات المنشقة».
هذه المساعي من أجل توحيد الصفوف المعارضة، والتي ما تزال بحاجة إلى الكثير من الجهود المثابرة اعترف بها أيضاً رئيس المجلس عبدالباسط سيدا حين وصف الاجتماع بأنه «لقاء تشاوري بين المجلس الوطني السوري والقوى الميدانية في الداخل والأطراف الأساسية في المعارضة السورية بهدف التباحث حول توحيد الرؤى والمواقف وحتى تشكيل هيئة مسؤولة تمثل كل السوريين تكون بمثابة سلطة تنفيذية».
على الصعيد الداخلي أيضاً، هناك تشبث بشار الأسد بالسلطة، وإصراره على أن يكون الطرف المنتصر في الصراع الدائر اليوم. أي أن النظام القائم لم يصل حتى الآن إلى اللحظة الحاسمة التي يعلن فيها تنحيه عن السلطة. هذا ما كشفت عنه المقابلة التي أجرتها قناة «روسيا اليوم» مع بشار الأسد مؤخراً، وقال فيها «لست دمية ولم يصنعني الغرب كي أذهب الى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري، أنا من صنع سوريا، وسأعيش وسأموت في سوريا». بغض النظر عن تقويمات المجتمع الدولي لمدى قدرة نظام الأسد على الصمود، لكن تصريحات مثل تلك التي أدلى بها الأسد، تؤكد ان نقطة الحسم ما تزال بعيدة وبحاجة إلى المزيد من الجهود من أجل إنضاج ظروفها.
كان ذلك على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فتكفي الإشارة إلى الموقف الروسي، وهو مهم في معادلة القوى المتصارعة، والذي عبر عنه مؤخراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين اتهم الأطراف التي وصفها بـ «المؤثرة على المعارضة السورية بتشجيعها على مواصلة القتال بدلاً من دفعها إلى الجلوس على مائدة المفاوضات». وأتبع لافروف ذلك، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو بالقول «لسنا نحن الذين نتمتع بالتأثير الحاسم على المعارضة السورية، وأعتقد أن الذين يتمتعون بهذا التأثير لابد أن يبذلوا الجهد لتنفيذ اتفاقيات ومبادئ جنيف، وتشجيع المعارضة على الجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة لمناقشة برامج ومواعيد المرحلة الانتقالية». هذا يعني أنه ما تزال موسكو تقف إلى جانب نظام الأسد، وهناك مسافة طويلة تفصلها عن دعم الجهات السورية المعارضة، الأمر الذي يعقد من مهمات هذه الأخيرة، ويضيف لها أعباء أخرى ثقيلة على كاهلها. وهذا يفسر رد جورج صبرا، قبل انتخابه رئيساً، وعندما كان عضواً في المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري على «دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المعارضة للتوحّد والحوار مع الحكومة» قائلاً في حديث إلى صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية «هنيئًاً لروسيا بنظام القتل ورئيسه، الذي إذا كان لافروف لا يزال بالنسبة إليه حاكماً على سوريا فنحن نعتبره محتلاً».
هذا يعيدنا إلى المربع الأول حول جدوى انتخاب صبرا رئيساً. كل المؤشرات تقول، وكما أوضحنا أعلاه إن مجيء صبرا لن يكون بمثابة العصا السحرية التي تزيل كل الألغام المنتشرة في طريق الثورة السورية من أمامها. وإن هناك ما هو أهم من ذلك الانتخاب بكثير، وأشد حاجة وإلحاحاً للمعالجة.