الحاصل الآن على أرض الواقع هو أن المجموعة التي اختارت البقاء في الخارج تستغل كل ما هو متاح من تكنولوجيا حديثة متطورة ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما تصل إليه عقولهم من قصص وأحاديث ذات علاقة بالدين، وعلى الخصوص المتطرفة منها لشحن البسطاء في الداخل ودفعهم للخروج إلى الشوارع والتظاهر وتحمّل كل ما قد يأتيهم من آلام ومشكلات نتيجة قيامهم بتنفيذ ما يريدونه منهم، بينما تقضي تلك المجموعة وأبناؤها أحلى أيامهم في تلك البلدان حيث «البراد»، وحيث الخضرة والماء والوجه الحسن وحيث المدارس التي يتعلمون فيها اللغات الأجنبية، مطمئنين على أنفسهم وعلى فلذات أكبادهم كونهم بعيدين عن الميدان وما قد يجلبه عليهم من نتائج، فهم مطمئنون إلى أنهم وأبناءهم بعيدون حتى عن غبار كل ذلك وإن رددوا في بعض المناسبات «يا ليتنا كنا معكم»!
الحاصل الآن على أرض الواقع أيضاً هو أن مجموعة «القادة» التي بقيت لسبب أو لآخر في الداخل تستغل التكنولوجيا والدين وتوظف كل القصص المتطرفة وتبذل كل ما تستطيع لشحن البسطاء ودفعهم إلى الخروج في مسيرات وتجمعات ومواجهة الشرطة، وتحمّل كل ما قد يأتيهم من وراء ذلك بينما أبناؤهم «امقحّمة عليهم البيبان» وجالسون في أحضان أمهاتهم لا يصيبهم إلا الأمان، فأكثر ما قد يعانونه هو سماعهم عن حجز فلان أو تعرض علّان لإصابة وهم يتابعون التطورات عبر «التويتر» وعبر السوسة الإيرانية التي لا تترك شاردة ولا واردة لهؤلاء أو لهؤلاء إلا وأوردتها.
أما الدليل على الأمان الذي يعيش فيه هؤلاء وهؤلاء فهو أننا لم نسمع طوال فترة الأحداث التي مرت بها البلاد منذ عام ونصف العام أن أصيب أحد من أبنائهم أو جرح أو مات، فكل من يتم الحديث عنهم هم أبناء البسطاء الذين من الواضح أنهم يدفعون قيمة الفاتورة كاملة.
هذا حال بالتأكيد ينكره الذين في الداخل والخارج على السواء ويعتبرونه كلاماً فارغاً ووسيلة للإساءة إليهم، لكنهم لا يستطيعون أن يثبتوا العكس أو يقولوا إن أحداً من أبنائهم حدث له أي مكروه قط، فالذين في الخارج يعيشون في أمان ورعاية وربما حماية ويأتيهم رزقهم رغداً، والذين في الداخل موجودون «داخل بيوتهم» لا يسمح لهم بالخروج منها إلا في الساعات التي هي خارج «الدوام» أي بعد انجلاء دخان المعارك التي وقودها البسطاء.
إن لم يكن هذا الادعاء صحيحاً وأبناؤهم بالفعل يشاركون في الفعاليات مع أبناء البسطاء فالسؤال الذي يثار هنا؛ هو هل يعقل أن تكون الصدفة هي التي تخدمهم فلا يصيب أبناءهم ما يصيب غيرهم؟ أم أنهم «مقري عليهم.. وامشببين وامدخنين» فلا يصلهم ما يصل غيرهم ولا يصابون حتى بشمخ؟
دفع أبناء الآخرين للخروج والتظاهر والدخول في مواجهات مع الشرطة مسألة في غاية السهولة، خصوصاً إن كان القائمون بهذا الأمر مطمئنين على أبنائهم «الممنوعين من المشاركة في تلك الفعاليات». التحريض من الخارج دونما شك أسهل، وهؤلاء إن «اشتهى» أبناؤهم المشاركة في اعتصام هناك فلا خوف عليهم ويظلون في دائرة الأمان، أما التحريض من الداخل فإنه أقل سهولة لكنه يظل سهلاً أيضاً طالما أن الأبناء يبقون محبوسين في البيوت لا يتعرضون إلى ما يتعرض له أبناء البسطاء، وكل ما يقوم به هؤلاء وهؤلاء هو الكلام سواء كان في شكل تصريحات أو مقابلات أو كتابة بيانات.
هذا واقع ينبغي تنبيه البسطاء إليه ولابد من تحريضهم ليسألوا أنفسهم على الأقل ذلك السؤال صعب الإجابة.. لماذا لا يصيب أبناء «القادة» ما يصيب أبناءهم ولماذا لا يرونهم في تلك الفعاليات على كثرتها؟