لم تتوقف واشنطن منذ الأزمة الأخيرة عن إرسال المسؤولين والمبعوثين المندوبين لزيارة البحرين والاطلاع على الأوضاع السياسية والحقوقية فيها. جانب من هذه الزيارات يمثل تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد باسم حماية المصالح الأمريكية في المنامة، والجانب الآخر هو محاولة تحقيق الأجندة الاستراتيجية.
فواشنطن تدرك جيداً أن هناك تقدماً في مسار الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في البحرين، وتدرك أيضاً أن هناك جهوداً حثيثة لمعالجة تداعيات أزمة 2011، ومن أمثلتها ما يتعلق بحل قضية المفصولين التي تم الانتهاء منها. حيث تدرك الإدارة الأمريكية ذلك جيداً، إلا أنها مازالت تمارس ضغوطها على حكومة البحرين، وتحرص على محاربتها دولياً عبر منظمة العمل الدولية.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية مصرة على تجاهل جهود الحكومة البحرينية فيما يتعلق بمعالجة قضية المفصولين التي انتهت، بل وهناك إصرار على إثارتها بين وقت وآخر، لذلك تكون هناك زيارات متعددة من مسؤولين أمريكيين معنيين بشؤون العمال وحقوق الإنسان لمناقشة هذه القضية في البحرين.
واللافت أن مثل هذه الزيارات تتزامن عادة مع اعتصامات مفتعلة أمام مبنى وزارة العمل من قبل بعض العمال الذين يدعون عدم إنصافهم في القضية، ويتم تغطيتها بشكل مفاجئ من إعلام ولاية الفقيه في البحرين، وينتشر نشاطهم سريعاً عبر وكالات الأنباء الدولية.
هذه الحالة تعكس طبيعة تداخل المصالح بين الجمعيات السياسية الراديكالية من جهة وواشنطن من جهة أخرى. وحالياً الإدارة الأمريكية مصرة على تغليب مصلحتها الاستراتيجية مع الجمعيات الراديكالية على مصالحها الاستراتيجية بالتحالف مع الحكومة البحرينية. فرغم الصفقات التي تمت بين البلدين، ورغم التسهيلات الجديدة بتوسعة القاعدة العسكرية في الجفير، إلا أن واشنطن تتجاهل ذلك تماماً، ولا تقدر التسهيلات التي نالتها، لذلك قد تكون مثل هذه التسهيلات بحاجة لإعادة نظر، والمعني الأول بها طبعاً السلطة التشريعية التي تملك الأدوات الدستورية لتقييم مسار العلاقات الخارجية البحرينية.
ليس منطقياً أن تواصل واشنطن تجاهل الإصلاحات في البحرين، وتظهر بمعايير مزدوجة بين وقت وآخر، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى احتمال تغيير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البحرين في الولاية الرئاسية الثانية للرئيس باراك أوباما، ولكن يبدو أن هذا الطريق مازال بعيداً، فالإصرار على التغيير السياسي في المنامة مازال قائماً باعتباره جزءاً من مشروع أكبر النطاق، ولكنه مكلف للغاية، وإذا لم تراجع الإدارة الأمريكية هذه السياسة فإنها ستخسر الكثير، ليس من البحرين فحسب، وإنما من دول مجلس التعاون الخليجي التي باتت على مسافة بعيدة من واشنطن.