حوارات كثيرة رائعة دارت بيني وبين أشخاص معظمهم لا أعرفهم على هامش سباق الفورمولا1 الأخير. فرغم الأجواء الرياضية والاحتفالية هناك إلا أن كثيراً ممن التقيتهم كانوا مهتمين بالحديث في الشأن السياسي، فالبعض يسأل عن موعد توقف أعمال الإرهاب والعنف السياسي، وآخرون لديهم وجهة نظر بشأن استمرار حوار التوافق الوطني بعد مرور عدة شهور على انطلاقته دون نتائج حقيقية، والبعض ينتقد أداء الحكومة، وآخرون يعبرون عن إحباطهم بسبب عدم تمرير زيادة الرواتب.. إلخ.
القضايا كثيرة، ولكنها وإن كانت قصيرة، فإنها كانت ممتعة، أحد الأصدقاء استغل هذه الأجواء، وأبدى ملاحظة، وقال: سباق العام الماضي كانت هناك حالة مقاطعة من بعض مكونات المجتمع، واليوم لا نرى أياً من مظاهر هذه المقاطعة التي مازالت مستمرة بسبب دعوات بعض الجماعات الراديكالية.
اتفقت معه في الرأي، ولكن ما استوقفني بشكل لافت ومفاجئ هو أحد الأشخاص الذي لا تربطني به معرفة مسبقة، حيث استفسر عن هويتي وما إذا كنت الكاتب في صحيفة الوطن، فأجبت بالإيجاب، فعرف بنفســـه بطريقــة غريبة لم نعتد عليها في البحرين، ولكنني أتفهم جيداً الظروف التي دفعت لأن يعرف المواطن نفسه بهذه الطريقة، رغم أنها طريقة مؤسفة فعلاً.
قال أنا فلان بن فلان من الشيعة العجم، وأود أن أؤكد لك بأننا كعجم شيعة لسنا مع من يحاول إسقاط النظام، ولسنا مع من يحاول إثارة أعمال الإرهاب والعنف، ولدنا في البحرين، وولد آباؤنا في البحرين، وسنظل أوفياء لهذا البلد من العائلة المالكة وحتى جميع المكونات التي نحترمها كثيراً.
انتهى الحوار في لحظات، ورغم أنه حوار مفاجئ إلا أنه كان مقتضباً وقصيراً جداً.
قد لا أتذكر الآن وجه الشخص الذي أوقفني لينقل لي هذه الرسالة الشخصية السريعة، ولكن روح الانتمـــاء والحـــس الوطنـــي في حديثه كانت واضحة. والسؤال هنا؛ ما مدى فهمنا لحقيقة مكونات المجتمع؟
المشكلــــــة ليســـت فـــي عـــدم إيماننا بأن مكونات المجتمع رافضة للتغييـــر الراديكالــــي، ورافضـــــــة للتدخـــل الأجنبــــي، وإنمــا المشكلــــة فـــي غيــــــاب هذا الصوت الوطني المهم الذي بات غائباً ومهملاً لأبعد الحدود، وعجزت أجهزة الدولة، ومختلف وسائل الإعلام عن إظهارها خلال السنوات الأخيرة، حتى صار من يتحدث عن الشيعة يتحدث وكأن جميعهم راديكاليين!
الراديكاليون معروفون، ومعروفـة حدودهــــم وحجمهــــم، ولكــــن بالمقابل إذا مازلنا عاجزين عن إظهار مثل هذه الأصوات، فإن لدينا مشكلة إعلامية حقيقية، فليس منطقياً أن يتمكن قلة من إظهار أصواتهم على أنهم كثرة، رغم أنها حقيقة وواقع في معادلات التغيير السياسي.