سنهدي كل معلم بحريني وردة وهدية رمزية، وسنلقي الكلمات والخطب ونقتطع وقتاً من الزمن المدرسي كي نحتفي به في اليوم العالمي للمعلم، ثم ينصرف الجميع لإتمام العمل المدرسي دون أن نسأل سؤالاً يعيش في أعماق المعلم البحريني ويطول نسيانه في زحمة العمل؛ ماذا قدمنا للمعلم البحريني؟ماذا يريد المعلم البحريني؟ سؤال يستحق من المجتمع ومن المسؤولين في هذا البلد أن يلتفتوا ويوجهوه للمعلم البحريني بحنو ورعاية، فصوت المعلم المبحوح من كثرة الشروح وطول الحصص لم يعد قادراً على الارتفاع والوصول إلى من يعنيهم الأمر، ويوشك المعلم البحريني أن يفقد كل السبل التي تعبر عن رأيه ووجهة نظره بعد أن انشغلت عنه جمعية التربويين في نشاطات لا تقدم ولا تؤخر في وضعه واهتماماته.سنوات عملي الأولى التي بدأتها في التعليم، والتي مازلت أدين لها بالولاء، عرفت من خلالها مطالب المعلمين المتواضعة، وقد تغير الكثير في الميدان التعليمي ولم يتغير حال المعلم ولم تتغير مطالبه، فمنذ ثلاثين عاماً والمعلمون يحلمون بإعلان كادر وظيفي يحسن أوضاعهم، ويحفظ موقعهم في المجتمع، قالت لي إحدى الزميلات في العام الأول من تعييني، وكان الحديث حينها عن الكادر على أشده والتفاؤل يبلغ مداه، قالت: لا تتفاءلي كثيراً! فقد توظفت عام 1980، وكان الحديث ذاته عن الكادر، وها أنا سوف أتقاعد ولم يصدر كادر المعلمين، وقد تتقاعدين أنت ولن يصدر الكادر!!، وقد كان كلامها حقاً! فلحد الآن يعتبر الكادر حلم المعلمين المفقود، فأغلبهم لا يعرف بنيته وتقسيماته ولا تعرف الممرات التي تاه فيها ولا الأبواب التي يمكنهم قرعها والدخول خلالها لتفعيل إجراءات إتمام إصداره وتفعيله. لقد تمكن المعلمون في الكويت من إعلان كادرهم التعليمي الذي أحدث نقلة نوعية في وضع المعلم الكويتي، وحول وظيفة المعلم إلى وظفية مرموقة الراتب والامتيازات مقارنة بباقي الوظائف الحكومية، الأمر الذي يجعل وظيفة التعليم وظيفة جذابة للعمالة الوطنية، ومهنة تستحق ما يبذل فيها من مجهود كبير لا يُقَدّره إلا من عمل معلماً بحق. فمن حق المعلم البحريني أن يطلع على تفاصيل هيكله ويقارنه بباقي هياكل الوظائف الحكومية، ومن حقه أن يبدي رأيه فيه وأن يعبر عن كَم المَهَام التي ينفذها وعن حجم المشقة التي يعانيها، فديوان الخدمة المدنية ينظر إلى وظيفة التعليم على أنها وظيفة مريحة بوقت قصير وبإجازات سنوية ثابتة وكثيرة، لذلك يضعها في هيكل وسط بين هياكل وظائف الحكومة، وهذا ما يراه المعلمون إحجافاً بواقع عملهم ومهامهم التي تأخذ جل وقتهم في المدرسة والمنزل، والتي تستنزف طاقتهم، صحتهم.. أحياناً.يريد المعلمون المخلصون أن تُعاد الهيبة للمعلم البحريني ومهنة التعليم بإقرار منظومة قوانين ولوائح تنظم العمل في التعليم، ففي السنوات الأخيرة صارت مهنة التعليم مهنةً غير جذابة لمتفوقي المرحلة الثانوية بسبب تزايد المهام الوظيفية وتدني الوضع الوظيفي، فانخفض مستوى المعلمين المستجدين، في ظل مشاكل، عصرية، في قيم الطلبة في المدارس، وزاد من تفاقم المشكلة تسيّس مهنة التعليم واستغلال المعلمين والطلبة والزج بهم في أتون 14 فبراير التي هزت صورة فئة من المعلمين البحرينيين أمام المجتمع، والمعلمون يرون أن إصدار هيكل وظيفي منصف للمعلم وبناء برامج تدريب مهنى ووظيفي عالية الجودة لمختلف تخصصات المعلمين وفي كافة الاحتياجات التربوية، سيؤدي إلى استقطاب نوعية جيدة من منتسبي التعليم، الأمر الذي سيكون مقبولاً معه تطبيق اختبارات قدرة وكفاءة للمتقدمين لهذه الوظيفة، ومن ثَم إقرار رخصة ممارسة التعليم وتجديدها كل بضع سنوات من أجل ضمان تطوير المعلم لذاته، وبهذا نضمن استمرار تطور المعلم والعملية التعليمية.يريد المعلم البحريني أن تكون له جمعية تهتم بشأنه، وتدافع عن مطالبه، وتدرس كل أمر يهمه، وهنا أنقل عتب الكثير من المعلمين على جمعية التربويين التي لم تُفَعّل لجانها وخططها بعد، ولم تبدأ العمل في قضية تخدم المعلمين، والميدان التعليمي والتربوي غني بالكثير من القضايا التي يتعين على الجمعية دراستها ومتابعتها، وطموحات المعلمين في سبيل خدمة التعليم ورُقيه، وعلى الجمعية تبنيها والعمل معهم على تحقيقها، لقد عوّل المعلمون على جمعية التربويين وعقدوا عليها آمالهم في أن تكون صوتهم الذي ينطق بمطالبهم وأداتهم التي تعمل على تحقيق إرادتهم، لكن لحد الآن لم يرَ المعلمون شيئاً من فعل الجمعية.ماذا حققنا من مطالب المعلم البحريني؟ هذه هي الوقفة التي يتعين على من يهمه الأمر أن يقفها لبرهة في اليوم العالمي للمعلم ويسأل...، وحين تكون الإجابة أن ما قدمناه للمعلم أقل مما يقدمه هو لنا وللوطن فعلينا أن نقلق على مستقبل التعليم، لأن راحة المعلم وتأهيله وارتفاع معنوياته وحماسه وقدرته على الاستمرار وتحدي العقبات الكثيرة هو ضمان قوة التعليم وجودته.وكل عام والمعلم البحريني بخير.