عندما انطلقت الهجمة على الإمارات العربية المتحدة، والتي شاركت فيها منظمات حقوقية ومراكز دراسات وأبحاث، لم تكن هذه الهجمة لتؤتي أكلها لو لم يوازيها دعم إعلامي قادته صحف وكتاب وإعلاميون، ولن أجد حرجاً في تكرار أن الجهات التي تبنت مواقف عدائية من المملكة العربية السعودية والأنصار التقليديين لقوى بحرينية راديكالية والجهات التي تقود حملة التبرير للعنف في سوريا، هي ذاتها الجهات التي أشهرت أسلحتها في وجه الإمارات، وسعت إلى استضافة وإبراز مقالات لشخصيات إماراتية منها، سعيد ناصر الطنيجي، الذي تكتنف مقالاته سلسلة من التناقضات، وهو ما قضى على آخر أمل في أن أجد داخلي عذراً له قد يبرر ما يفعله، ففي الوقت الذي يصف فيه التعذيب الذي يقول إن زملاءه يتعرضون له نجده يذكر ألا أحد يعلم بمواقع احتجازهم ولا حالتهم، فكيف علم بحالة التعذيب وأعلن عنها دون أن يعرف عن حالتهم أو مواقع احتجازهم؟! إضافة إلى محطات رحلته الغريبة التي حطت أخيراً في عاصمة الضباب منطلقة من الإمارات مروراً بسلطنة عُمان و(الدوحة) و(القاهرة) وتركيا ثم لندن والكثير مما لا متسع لذكره في المقال.
لقد كانت صحيفة (الغارديان) البريطانية التي فتحت ذراعيها لاستقبال مقالات الطنيجي مرتعاً خصباً للكثير من القضايا التي قادها رئيس قسم الشرق الأوسط في الصحيفة المدعو (أيان بلاك)، الذي أعده التوأم الصحافي للكاتب المعروف (روبرت فيسك)، منها ملفات هجومية تخص السعودية والبحرين والكثير من المديح للزيارة القطرية لغزة وملف عن (عمان) ذكرت أقلام أردنية أنه مدفوع من الجهات التي يمتدحها (بلاك)، وهو أمر لم يختلف عند البي بي سي وصحيفة (الأيكونومست) وعشرات الصحف الإنجليزية والبريطانية، والتي أفردت مقالات تتبنى فيها وجهات نظر قد تقنع بريطاني عجوز لا يعرف الكثير عن الإمارات، لكنها مثيرة للسخرية والشفقة بالنسبة لأي شخص يعرف الإمارات وطبيعة المنطقة ويمكنه تقدير الأمور بشكل جيد.
الهجوم لم يكن أجنبياً بحتاً؛ بل شاركت فيه أقلام وصحف عربية متعاطفة مع الإخوان المسلمين أو راغبة في تصوير الوضع في الخليج بصورة تتلاءم مع متطلبات المرحلة الحالية بالنسبة للنظام السوري، وهكذا بدأت الماكينة الطائفية بالتباكي على الوضع في الإمارات، وحسناً فعلت أنها لم تنجر لتقول إن “شرطة دبي قصفتهم بالأباتشي”، كما حدث في البحرين.
وبين عشية وضحاها تحول مواطنون إماراتيون منتمون للإخوان المسلمين إلى أبطال يقودون ما سُمي بـ(الربيع الخليجي)، تدافع عنهم شخصيات عرفت بأنها خادمة (للمرشدين) في طهران والقاهرة، في الوقت الذي كانت فيها الإمارات تعيد إنتاج فيلم عربي خليجي قديم يقوم أبطاله بتبادل الأحاديث همساً مع أهل البيت، في الوقت الذي يكون الصراخ والاتهامات آتية من بيوت الجيران مع الكثير من السلبيات التي لا تتناسب مع الوضع الإماراتي المتقدم.
لكن هذا الوضع الإعلامي لم يكن إلا ترساً متوسط الحجم داخل ماكينة اقتصادية تحركها الشركات الكبرى، والتي تعد واجهات لدول وأنظمة تمر بمراحل كساد خانقة تدير حرباً على كافة الصعد وقودها البترول والسلاح، ولا مانع لديها من الدفاع عنه بأي طريقة، حتى ولو كانت هذه الطريقة هي إثارة ملف حقوق الإنسان مقابل صفقة هنا أو هناك.
.. وللحديث بقية