شركات النفط وصفقات السلاح لم تكن بعيدة عما دار في الإمارات، خصوصاً بعد اتهامات شملت شركة «بريتش بتروليوم» (BB) التي رددت بعض وسائل الإعلام المدافعة عنها أن اسمها جرى استبعاده من منافسات تطوير أكبر حقل نفط بري في أبو ظبي كعقاب للحكومة البريطانية على مواقفها تجاه الإمارات، في نفس الوقت الذي ذكر فيه الجانب الآخر أن الاستبعاد جرى بعد ثبوت علاقة للشركة بتطورات الملف في الإمارات.
ولعل زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الأخيرة للإمارات ولبعض دول الخليج العربي، وتعليق مدير الشركة بوب دادلي بالقول: «أعتقد أن ديفيد كاميرون كان مدافعاً عظيماً عن المشاريع البريطانية عموماً، وبوجه عام كان من الجيد أن نراه هنا في أبوظبي».
لهذا التعليق دلالته العظيمة أن الإمارات العربية المتحدة أدركت وتعاملت من خلال إدراكها للواقع أن «بريتش بتروليوم» ليست إلا ذراع من أذرع الاقتصاد الإنجليزي، وأحياناً يكفيك أن تدوس على إصبع العملاق ليكف عن العبث بمصالحك واستقرارك، وقس على ذلك صفقات طائرات «التايفون» وما جرى مع الكثير من الدول التي تربطها مصالح معقدة مع الإمارات وسعت بشكل أو بآخر إلى دس أنفها في الشأن الإماراتي.
لكن السؤال المنطقي الذي لا يغفل جدوى ونجاعة هذا الأسلوب هو: إلى متى؟ وما هي الضمانات أن ظرفاً سياسياً طارئاً لن يكون محركاً للأمور على وجه مختلف وقاتل؟ السؤال الآخر هو: هل هذه الطريقة هي مضاد حيوي موضعي ستستخدمه الإمارات كلما شعرت بالحاجة إليه؟ وستسمر لعبة شد الحبال الأمنية - الاقتصادية بإلقاء ظلالها الثقيلة بين الفينة والأخرى.
هنا أجدني أخرج من ثوب المواطن العربي الذي منحته الصحافة نعمة المعرفة والبحث عن الحقيقة وعدم الاكتفاء بالوجبة الإخبارية المقدمة، والبحث بينهم لا ينقطع إلى ما وراء الخبر، وما وراء المشهد وعدم الإيمان بكل ما أراه ولا ربع ما أسمعه لأقول إن الإمارات الشقيقة، التي حظيت مؤخراً بمقعد في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وأتت بديفيد كاميرون راكضاً خلف مصالح بريطانيا الاقتصادية، وأعلم أنها تستطيع الإتيان بآخرين للوصول إلى ما يشبه التسوية مع الثعالب الماكرة، أقول للإمارات لا تسيري على خطى الآخرين، العلاجات الموضعية لا تعطي الحل الإماراتي الأبدي، فالناقد ليس بالضرورة حاقداً وحاسداً، بل قد يكون أخاً مشفقاً وصديقاً من الخطأ وضعه في خانة الأعداء، وأن الإمارات كباقي شقيقاتها الخليجيات، إن لم تعمل فوراً وضمن مؤسسات وطنية على أن تناغم الصروح الحضارية المعمارية المشيدة بحق وصدق مع الالتزامات الدولية فإن هذا الجيل الشاب العائد من أوروبا وأمريكا بعد سنوات الدراسة الطويلة، هذا الجيل الذي تنتقل إليه أحداث العالم في ثوان معدودة، لن يكون قادراً على فهم الفرق في الحقوق والحريات بين هنا وهناك، خصوصاً أن هناك من يعول على عشرات آلاف الطلاب المبتعثين الذين يعودون إلى الخليج بعد سنوات من زرعهم في بيئة أخرى ذات سقوف مرتفعة، ليس هناك طريقة لإقناعهم أن ما عاشوه هناك مستحيل هنا.
هذه الملايين من الجاليات التي تعيش في الخليج مؤثرة ومتأثرة لن ينتهي الحال بتسفير بضع مئات منهم، ولا بتشديد القبضة عليهم، الدول لم تعد كيانات مغلقة وبفعل العولمة أصبحت مشكلة بين عائلة وخادمة حدثاً دولياً. تمنيت خلال هذه الأيام أن أرى الإعلام الإماراتي يقوم بأكثر من مخاطبة الداخل والحقوقيين الوطنيين الإماراتيين، ومؤسسات المجتمع المدني الإماراتي الفاعلة تكتب وترصد وتوثق وتقدم وتحاضر وتسافر وتعقد الملتقيات لا للدفاع عن الإماراتن بل كممارسة فعلية لمهامها العملية بعيداً عن تجار الشنطة ومنتهزي الفرص الذين ازدهرت أسواقهم بالانضمام لإحدى الجهتين، وكم هي قاتلة خدماتهم عندما ترتبط بتزيين القسوة والتحريض على إغفال الحكمة واللجوء لأقصى التدابير في أدنى الحالات، لا ضمانة أن بريطانيا أو أمريكا أو جيراننا (الطيبين) الذين لا يمانعون من الدفع لبعض العاطلين عن العمل في القاهرة أو باريس لإقناع العالم أن ثمة مجزرة ضحيتها الآلاف في الإمارات، ليس ثمة ضمانة أنهم لن يكرروا المحاولة، وإلى أن تطل المحاولة القادمة برأسها فليس أمام الإمارات العربية الشقيقة إلا العمل والاستعداد بتحصين الجبهة الداخلية بحصافة وبحزم لا ينحني إلا أمام القانون ولا يقدس إلا الدستور.. وكل محاولة والإمارات بخير.