إن التصور البشري والذي غذاه الكثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع والزعماء السياسيون وعلماء الاقتصاد، يقوم على ثنائية الصراع بين الخير والشر، وبين الذات والموضوع، وبين الجسد والروح.
وإذا كانت للفلسفة الثانوية، دور كبير في مرحلة من المراحل الإنسانية، من أجل الوصول إلى شيء من التحليل والتعرف على طبيعة بعض الأشياء، أو جزء من الكل، إلا أن كل هؤلاء الفلاسفة السابقين، لا يرون الصورة الحقيقية الكاملة لطبيعة الحياة، في اختلافها وتنوّعها، فوجود الثنائية، لا يعني وجود الصراع الطبقي بين الفقراء والأغنياء، وإن كان موجوداً، فوجوده مقترن بوجوده في الذهن المبرمج بكل هذه الأفكار.
الأصل هو الواحد، في الواحد يكون المتعدد، ويكون التنوع، ويكون الاتساع، والتمدد اللانهائي، في المتعدد تتكون الحياة، بكل تجلياتها المادية والفكرية والروحية، من وحدة الواحد تنبثق الوحدة الكونية، كما في الأسفل هو في الأعلى، وكل ما هو في الشرق له ما يماثله في الغرب، وكل ما تحمله المجرة، بالقوة ينعكس في أصغر ذرة، كل شيء يكمل الآخر، ليس كنقيض، إنما كطرف أساس، كمكمل له في التجربة الكونية، وفي العمر الذي يحياه فوق أي كوكب من الكواكب.
هذا يعني ان الأصل ليس التناقض بين الأضداد، إنما التكامل بين ما يسمى بالأضداد، أو بالأحرى الانسجام والتناغم بين الأقطاب، بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والمجتمع، وبين المجتمع والطبيعة.
هناك من يؤمن بحتمية صراع الإنسان ضد الإنسان الآخر، أو صراع الإنسان ضد الطبيعة.
وفي تصوري أن كلمة صراع والتي تستخدم بكثرة، بعيدة جداً عن فهم أصل الحياة ووحدتها والسبب الرئيس من وجودها.
الإنسان لا يمكن أن يكون ضد ما يشبهه، ولا يمكن أن يكون ضد الطبيعة، لسبب بسيط وهو أن هذه الطبيعة هي جسده وبيته الذي سيبقى فيه حيناً من الدهر، ويغادره إلى العالم غير المنظور.
عطاس الحكيم في كتابه «أعمدة اليوغا الثمانية» يرى أن «الوجود البشري وقود دائم لصراع قائم بين المعرفة والعمل، بين الرغبة والتحقق، بين القرار والتنفيذ، إن عدم تجسيد المعرفة معضلة وجودية نفسية يجب أن يتصدى لها علماء الفلسفة».
وإذا كان لنا أن نقول إن الإنسان هو تجسيد لكل المعرفة الكونية، فقبل ذلك علينا أن نعرف الطرق التي تؤدي لتكوين المصالحة بين الجسد والروح، وبين الرغبة والعمل، وبين الحلم والواقع، وهذا لن يأتي إلا عبر نضال دائم من أجل الابتعاد قدر الإمكان عن الثتائيات المتصارعة في كل شيء.
فالرجل ليس ضد المرأة، وإلا انتهى الاثنان إلى الفناء، والتاجر ليس ضد الفقير، وإلا لكسدت تجارته، والمتعلم ليس ضد الجاهل، دون المرأة لا يوجد الرجل، ودون الرجل لا توجد المرأة، وهكذا في كل شيء، ليس هناك غير التكامل والتناغم والانسجام والوحدة.
هل لنا أن نعي ذلك؟!