لا أعرف لماذا فسد الكثير من الذوق العام السياسي في البحرين؟ ولماذا أصبح بعضنا تافهاً للغاية، بسبب ما يبديه من رغبة جامحة للخراب والفوضى؟ لماذا كل هذه الممارسات السلبية على أرض الواقع؟ وكيف لنا أن نعيش بعد انفلات العقال على أرض محروقة؟
في السابق، كان الناس في البحرين يفهمون (الفزعة) على أنها (أُنصر أخاك)، أما اليوم فإن الفزعة بمعناها المميت تعني، أن تنصر من يكون نسخة منك ومن كيانك فقط، بغض النظر عن بطلان قيمه وتفكيره وسلوكه، ولهذا فإن الفزعة الحقيقية ماتت بعد أن انحرف مفهومها عن المعاني السامية، من الود والمحبة والتآخي ونصرة المظلوم والوطن.
فزعة اليوم هي الفزعة الطائفية، أن تكون سنياً، هو أن تنصر كل ما هو سني، من دون النظر إلى الهفوات والسقطات، أو أن تكون شيعياً فتنتصر للشيعة مهما كانت أخطاؤهم أو ممارساتهم. هذه الفزعة لا نريدها ولا نريد أن نشاهد روادها، لأن من يفزع للحمية المذهبية والطائفية، لا فرق بينه وبين من عاش قبل الإسلام، حين أخذت أهل الجاهلية حمية النسب قبل حمية الحق.
(صوتو... اعملوا فلو... سووا لايك...زيدوا الأصوات لهذه الجهة... يالله يا جماعة لا يسبقونكم... همتكم...شدوا حيلكم)، هذه هي الفزعات السياسية والدينية المخزية التي نشاهدها في البحرين، وربما في غالب دول العالم العربي التعيس، فالفزعة هي الموازي الحقيقي للتعصب الطائفي، وهي المرض القادم في أوساطنا السياسية وحتى المجتمعية، والله يستر بستره.
إن الحق لا يحتاج لكل تلك الفزعات الكاذبة، وهو لا يعتمد على فزعة طائفية هنا وأخرى هناك، بل إن الفزعة الحق، هي الفزعة التي تولد لأجل الحق.
الفزعة الطائفية، هي عينها الاصطفافات السياسية الغبية، وهي المحصلة النهائية للإفلاس الأخلاقي والسياسي لكل جماعات (البرو برو والتعو تعو)، أما الذي يفزع لأجل أخيه في الدين والوطن والإنسانية، فهذا هو الراشد النادر في وطني، وهو من (أفخر أنواع الطيبين) لو أردنا أن نتفاكه، وهو الشخص الذي يملك كامل قراراته ويملك كل إرادته بكل ثبات وشجاعة، ولهذا فهو يفزع في حالة واحدة فقط، حين يرى الحقيقة تصادر، وحين يصاب الوطن بالأضرار، دون الحاجة لمن (يكوكه) ضد هذا أو الوقوف مع ذاك، لأنه أكبر من أن يكون إمعة أو كرعاع سادرة في الظلمات، (لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق).
هؤلاء سيكنسهم الدهر وقبل ذلك الوطن، لأن الوطن يأبى أن يسكنه إلا من يستحقه، فهو يحب الأقوياء من أبنائه، ولهذا فهو عاجلاً أم آجلاً سيلفظ من فمه كل الكائنات الضعيفة والمتسلقة ومن فزعوا لنصرة الطائفة قبل نصرة الحب والسلام والوطن، وستشهد الأيام على ما نقول.