لا أعلم مدى تضمين تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية لسلوكيات بعض موظفي الدولة، ممن يتلاعب بمشاعر المراجعين، أو يسخر منهم عبر تقاعسه عن أداء عمله وتقديم الخدمات لهم بالطريقة اللائقة.
ليس الفساد، هو كل ما يتعلق بسرقة المال العام فقط، بل هناك فساد إداري أيضاً، ربما لا يكون ملموساً، لكنه يعتبر من أخطر أنواع الفساد، وهو فساد سلوك الموظف.
إن عدم التزام الموظف الحكومي بعمله التام، وهروبه من موقع عمله أثناء الدوام، يعطي انطباعاً آخر من الفساد الإداري، لا يذكره التقرير، فلا يعني أن يقوم الموظف بترك بصمته عند الدخول والخروج بحسب النظام، أنه أنجز عمله، أو أنه داوم كامل الوقت، فهناك من الموظفين من يجلس في مكان عمله طيلة وقت دوامه الرسمي، لكنه لا ينجز عمل نصف ساعة، فأين يكون هذا الموظف طيلة الوقت (الضائع) والمسروق، هل هو بمثابة الحاضر الغائب؟
الموظف الذي يهرب من مقعد عمله وهو داخل أروقة الوزارة أو المؤسسة التي يعمل فيها، أو يجلس على كرسي عمله لكن لا يقوم بأداء عمله بشكل متواصل ومخلص، هل هذا النموذج السيئ من الفساد الملتحف بلحاف الشرعية تضمنته صفحات ديوان الرقابة المالية والإدارية؟ أم أنه لا يمكن القبض على هذا النوع من الخداع المغلف بالشرعية القانونية؟
في آخر يوم من العام المنصرم، ذهبت إلى أحد المراكز الصحية لقطع موعد لابنتي الصغيرة في قسم الرعاية، وإذا بالموظف الذي يقوم بهذه المهمة غير موجود في مكتبه أصلاً. انتظرت أنا ومن معي لمدة تقارب الساعة الكاملة، حتى فاض الكيل، فبدأ بعضهم بالصراخ وبعضهم ذهب غاضباً يفتش عن المسؤول يشكي له همه وحزنه لاختفاء الموظف، وإذا كل منهم يقول (مالي خص)!!.
قمت أنا بتصوير (الكونتر الفاضي) وأرسلت الصورة على الفور إلى أحد المسؤولين في وزارة الصحة، مضمناً ذلك وصف الوضع المؤلم، لكن ولحد هذه اللحظة لم يتفاعل معي هذا المسؤول، حتى قلت في نفسي، ما عسى أن يجيب هذا المسؤول؟
أخيراً جاء الموظف وهو (يتطنطح) وكأن لا شيء جرى أو كان، وبكل هدوء جلس على كرسي مكتبه، وأخذ يستلم طلبات (الناقعين)، في اللحظة التي امتلأت قاعة الرعاية في المركز عن بكرة أبيها، ينتظرون أن يأتيهم الموظف الأمير!!.
هل يوجد استهتار أشد من هذا الاستهتار بقيم العمل وبأوقات المرضى ومشاعرهم؟ هل هذا يحدث بشكل يومي في هذا المركز وغيره من مؤسسات الدولة؟ إلى متى سيتم المدراء يقبعون كالتماثيل في مكاتبهم العاجية يقرأون الصحف والمجلات ويستقبلون أصحابهم المقربين بكل ود، بينما المراجعون يعانون مع الموظف غير المبالي والمستهتر في الأسفل؟
لماذا لا يغير المدراء من عقلياتهم الفوقية، فينزلون إلى الناس ويراقبون موظفيهم بكل صرامة لأجل التأكد من تقديمهم أجود أنواع الخدمات للمواطنين (غصباً عنهم) لا تكرماً منهم؟
حين تتغير عقلية المدير (الفوقي)، سيتغير أسلوب الموظف (التحتي)، وسيقدم كل منهم بعد ذلك خدمات تليق بالمواطنين والمقيمين على حد سواء، وإلا سيظل هذا الفساد من أخطر أنواع الفساد غير المعلن في البحرين، لأنه الفساد غير المرئي ولا المسموع، لكن ربما يكون مع مرور الأيام، هو الفساد الذي يمكن تصويره وتوثيقه حتى في الانستغرام.