تمر الأيام والسنون سراعاً؛ وتأتي الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، وهي حدث مهم يستحق الإشادة والإعجاب للإنجاز الذي حققه الشعب المصري بكافة طوائفه، وفي نفس الوقت تتيح المناسبة فرصة للتأمل في دلالات الحدث وما أعقبه من تداعيات تثير القلق؛ إذ تكاد تتشابه في بعض جوانبها مع ثورة 14 يوليو 1787 في فرنسا.
الأولى: نجاح الثورة الشعبية في الإطاحة بالنظام الاستبدادي القديم وفي التخلص من ركائزه، وهذا إنجاز عظيم يذكرنا بثورة 14 يوليو في فرنسا، وقد مهد المثقفون والكتاب لذلك، وقاد الثورة جيل الشباب، وقامت القوات المسلحة بحمايتها ثم انضمت الأحزاب والقوى السياسية الأخرى.
الثانية: إن الشعب الذي استطاع بفضل وعيه الحضاري التخلص من الحكم الاستبدادي عجز عن بناء النظام الجديد، وانزلق إلى صراع داخلي ممتد بلا توقف، وهو في ذلك يتشابه مع الثورة الفرنسية أيضاً التي أريقت فيها دماء غزيرة وصراع بين أجنحة الثورة.
الثالثة: تأكيد المقولة أو ما يطلق عليه القانون السياسي العلمي للثورات الشعبية أن الثورة، بعد نجاحها، تأكل أبناءها. وهذا للأسف ما يحدث في مصر الآن وتتولى ذلك ثلاث قوى بالغة الخطورة.
أولها: قوة الشباب المتدفقة التي دفعها قدامى السياسيين للاستمرار في الاعتصام، ونسيان الواجب المهم في اللحظة المناسبة، وهو واجب العمل والإنتاج مما أدى إلى حالة من شبه الانهيار الاقتصادي.
ثانيها: تصارع القوى والأحزاب السياسية عبر التوالد والانشقاق وهذا يعكس محدودية الرؤية، وضعف القيادات السياسية، لهذه القوى وتساؤلات أخرى ترتبط بالانسياق وراء بعض المغانم، والطموحات الشخصية. وإلقاء نظرة على الوضع المصري نجد كل حزب ينشق إلى اثنين أو ثلاثة.
فحركة 6 أبريل، التي بدأت ثورية في عهد قمع النظام السابق، انشقت لعدة أجنحة، وحزب الدكتور البرادعي ثار الشباب ضد قرارات القيادة، وحزب الوفد كذلك. والسلفيون انقسموا لعدة أحزاب، وانشق حزب النور، وأطاح بقيادته التي أقامت حزباً جديداً، والإخوان المسلمون تجمع عدد من المنشقين القدامى وبعض الجدد، ليكونوا جماعة جديدة، واتهموا الحركة الأصلية، بالتخلي عن الدعوة، والتركيز على السياسة، وأبرزوا أنهم يسعون لإعادة الحركة لأصولها التي وضعها الإمام الشهيد حسن البنا.
ثالثها: محدودية الرؤية للقيادات السياسية، التي تركز على الاستيلاء على مفاصل الدولة، وهو أمر لمن لديه رؤية سليمة تعد أولوية متأخرة، وكان على هذه القيادات إن تركز على تحقيق إنجازات في الأمن، وفي الاقتصاد، وفي الإصلاح الإداري وهذا ما حدث في التجربة التركية والتجربة الماليزية في عهد مهاتير محمد والتجربة الإندونيسية بعد الإطاحة بسوهارتو
أتمنى أن تأخذ ثورة 25 يناير والقيادات السياسية للدولة العبرة من الإخفاق والتشتت الفكري للثورة الفرنسية، ولا تنساق في صراعات تثير الشكوك في سعيها لنشر الثورة في دول عربية أخرى، وهذا للأسف ما فعلته الثورة الفرنسية وما فعلته الثورة الإسلامية الإيرانية التي وقعت في ثلاثة أخطاء أولها رفع شعار تصدير الثورة وثانيها الانتقام من النظام القديم وثالثها تدمير ركائز السلطة في النظام القديم وبناء سلطات وأجهزة موازية فالباسيج والحرس الثوري أصبحا بديلين لسلطة الشرطة والقوات المسلحة، ولجنة تشخيص مصلحة النظام أصبحت البديل للأمن السياسي.
إن مسؤولية قيادة مصر هي أمام شعب مصر، الذي اختارها عبر صناديق الانتخاب، وأسند إليها مهمة إعادة النظام الأمني، وبناء النظام الاقتصادي ثم السياسي.
إنني أتمنى أن يعيد السياسيون حكاماً ومعارضين، أحزاباً وجماعات، ممن يرفعون شعارات دينية أو مدنية، النظر في مواقفهم وتصرفاتهم وقراراتهم، ويعملون من أجل شعب مصر، ومن أجل الأمن الحقيقي، وليس أمن تلك النخب السياسية الحاكمة أو المعارضة على حد سواء، فالصراع سوف يؤدي لتدمير الأوطان، وتخريب الاقتصاد، وإشاعة عدم الأمن والاستقرار، ولن تبقى سلطة لمن يتطلع للسلطة، ولا مجال للمعارضة لمن يتطلع للمعارضة.
وختاماً نقول حمى الله مصر من أي انحراف من قيادتها السياسية حاكمة ومعارضة وحمى الله شعب مصر من انزلاق ثورته للمجهول.