أمام الوفاق ثلاثة سيناريوهات مستقبلية عليها أن تحدد أيها تختار، إذ بناء على هذه السيناريوهات يتحدد موقعها ضمن المجتمع البحريني كمجموعة سياسية وكجماعة.
الأول ألا تدخل الحوار أو تدخله بنية الانسحاب لا فرق لتبقى ويكون خيارها هنا محصوراً على أعمال العنف في الشارع وقطع الطرق والحرق والقنابل محلية الصنع وتسعى للاصطدام مع الأمن عبر عدم الالتزام بأية ضوابط قانونية أداتها الوحيدة التي تمدها بالاستمرار هو استجداء التدخل الأجنبي من منظمات وحكومات.
السيناريو الثاني ألا تدخل الحوار أو تنسحب منه لا فرق وتبقى في الشارع، إنما تلتزم فعلياً بالضوابط القانونية لممارسة حقها في التعبير عن مطالبها، وتنأى بنفسها عن العنف لفظاً وفعلاً، وتبتعد عن الجماعات التي ترتكب الإرهاب ولا تشكل لهم مظلة حماية ودعم لوجستي.
السيناريو الثالث أن تدخل الحوار وتخرج بمكاسب دستورية مكملة للتعديلات الدستورية الأخيرة أياً كانت نسبتها قياساً إلى مطالبها التي وضعتها كسقف، وتنسب تلك المكتسبات لنفسها وإن جاءت عبر توافقها مع القوى السياسية الأخرى.
ما هي انعكاسات السيناريوهات الثلاث؟
الأول وهو ما تلتزم به الوفاق إلى هذه اللحظة، وهو خيار استعدت إليه كل أطياف المجتمع البحريني، وتسبب بتناقص عدد مؤيديها من داخل وخارج الوطن، وجعلها فئة منبوذة بحرينياً وخليجياً وعربياً، وخيار بسببه كبدت المجتمع البحريني خسائر في الأرواح والممتلكات، وتراجعاً في الحركة التجارية وفي الاستثمار وفرص العمل، وتضررت المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
خيار تضييع الفرص خسرت بسببه فرص نسب التعديلات الدستورية الكبيرة التي حدثت وتحدث عند الاستكمال لنفسها، وقد كانت تملك تلك الفرصة في حوار التوافق الوطني الأول ومازالت تملكه في الثاني.
خيار خسرت بسببه مقاعدها في المجلس النيابي، وخسرت بالتالي فرص بناء التحالفات الوطنية مع القوى السياسية الثانية من أجل معالجة الملفات الكبرى في الدولة، وبإصرارها على هذا الخيار سيستمر مسلسل الخسائر لها قبل أي طرف آخر لسنوات مقبلة.
الخسارة الأكبر هي الدعم الأجنبي الذي اعتمدت عليه بالكامل في 2011 ثم تناقص في 2012 وتكاد تفقده بالكامل في 2013، وهي تعرف هذا الكلام جيداً، فالتغيرات الإقليمية جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور وذلك موضوع يطول شرحه.
الخيار الثاني وكلنا نعلم والوفاق تعلم كذلك، أنها حين تلتزم بالضوابط القانونية فإن سيناريو المؤتمرات الدستورية لعام 2002 والتي كانت تعقدها حين قاطعت الانتخابات مرشح للتكرار، وهو سيناريو كما نعرف أدى لانفضاض السامر عنهم وانخراط جمهورهم في تسيير حياتهم وتبدل أولوياته ما دفع الوفاق لكسر قرار المقاطعة والدخول في مشروع الدولة واللحاق بالجمهور بعد أن انصرف عنها، وبعد أن وجدت نفسها تعقد مؤتمرات خالية لا يحضرها أحد، وأذكر أني كتبت أن محاولاتها لإعادة الجمهور لحضور فعاليتها كادت تعلن عن إجراء سحب على سيارة عل وعسى تعيد تلك العروض البراقة للجمهور الذي فقدته الوفاق، لهذا فإن سيناريو الانضباط القانوني يخيفها الآن وتخشى تكراره إن هي التزمت بالقانون، ولن تسمح به قيادات العراق ولبنان وإيران ولندن، فهم ممسكون بخناقها لأنهم من يقودون الحراك، لذلك هي تصر على تجاوز القانون فسبيلها الوحيد لاستمرار عروضها هو سقوط الضحايا فعن طريق الجنازات وكسر الفاتحة تجمع أكبر قدر من الحشود، وتحريك عقدة المظلومية كعرض وحيد تجيده ممكن أن يبقي لها حضوراً حاشداً.
لذلك ماكينة التحريض لن تكل ولن تمل، فأنتم ضحايا وخصومكم مرتزقة وميتكم حتى لو كانت طبيعية فهو شهيد القمع والظلم... الخ، وأنتم المفقوئي العيون والمفصولين والمطرودين... الخ «خطاب عيسى قاسم»، الوفاق بلا هذه الماكينة تنتهي وتضمحل وحتى لو حاولت الدولة سحب المبررات منها من خلال ضبط النفس ومن خلال إعطائها التراخيص لفعالياتها حتى لا تتحجج بتلك الماكينة، فذلك يجعلها ترابط عند المستشفى والمقابر تبحث عن جثامين تشيعها وتصور قبورها، التزامها بالسيناريو الأول لأنها تخشى السيناريو الثاني انفضاض السامر عنها إن هي اختارت السيناريو الثاني، أي إن هي التزمت بالضوابط القانونية ولم يكن هناك ضحايا تتاجر بهم.
هي تعلم أن الالتزام بالضوابط القانونية يحفظ حقوق الآخرين وينهي دور المؤسسة الأمنية، ولا يعود مشهد التصادم مع الأمن محركاً ومغذياً، سيكون حالها حال أي جماعة سياسية لها مطالب سياسية تعمل على تحقيقها في حين تمضي حياة الآخرين بسلام وأمن يستمعون لها ويمضون في حياتهم.
وفي هذه الحالة لا يضير المجتمع البحريني أن يمارس أعضاء وجمهور الوفاق حقهم الدستوري، فيعقدوا الاجتماعات ويسيروا المسيرات، ولن تقطع له طريق ولن يرى رجال الأمن إلا حين تقع الحوادث المرورية، أو حين يساعد رجال الأمن الوفاق في تنظيم مسيراتهم واتجاهاتهم، بحيث لا تتعطل مصالح الآخرين، ولن تطلق طلقة مسيل دموع واحدة، إذ ستسير حياة المجتمع البحريني طبيعية وستحترم حقوقه وربما سيصغي السمع لما تقوله الوفاق، هل في هذا السيناريو ما يهضم حق جمهور الوفاق وحريتهم في التعبير؟ أبداً.. إنما هذا السيناريو سينتهي به المطاف إلى قرار المشاركة في 2014 تماماً كما جاء قرار المشاركة عام 2006 بعد المقاطعة.
أما الثالث فهو خيار انتصار البحرين على تلك القوى المتشددة، وهو خيار أهم نتائجه وأكثرها إثماراً سيكون «التوافق الوطني» وليس التعديلات الدستورية كما تعتقد الوفاق وهذا ما سنكمله في الغد.