نحن لا نرى ما حولنا، وإن رأينا، عادة، لا نستطيع التعرف على الوجوه التي تتشكل منها اللوحة عبر الخطوط، والأشكال الغنية بالإشارات والدلالات، وإذا كنا غير قادرين على التعرف على الوجوه التي تقدمها اللوحة لنا، هل نستطيع التعرف على الإشارات والرموز فيما وراء اللوحة. أليس من المفترض أن ننظر إلى القريب منا، قبل البعيد؟!
قرأت في «الفيسبوك» قطعة جميلة كتبتها جوهرة الشويش في حائطها «قطعة جميلة جداً»، أربكتني وأبكتني، لهذا أحببت أن أتشارك معكم في نزف بعض القطرات التي عادة ما تبحث عن القلوب الحساسة لمثل هذه المواقف الإنسانية، لنمارس فعل البكاء، ربما نقدر أن نغسل قلوبنا من الصدأ العالق بنا نتيجة الانشغال اليومي الحياتي، تقول جوهرة الشويش: «طلبت المعلمة من تلاميذها في المدرسة الابتدائية أن يكتبوا موضوعاً يطلبون فيه من الله أن يعطيهم ما يتمنون، وبعد عودتها إلى المنزل جلست تقرأ ما كتب التلاميذ، فأثار أحد الموضوعات عاطفتها فأجهشت بالبكاء، وصادف ذلك دخول زوجها البيت، فسألها: ما الذي يبكيكِ؟ فقالت: موضوع التعبير الذي كتبه أحد التلاميذ، فسألها: وماذا كتب؟، فقالت له: خذ أقرأ موضوعه بنفسك!، فأخذ يقرأ: «إلهي، أسألك هذا المساء طلباً خاصَّاً جداً وهو أن تجعلني تلفازاً !!! فأنا أريد أن أحل محله! أريد أن أحتل مكاناً خاصاً في البيت! فتتحلَّق أسرتي حولي وأصبح مركز اهتمامهم فيسمعونني دون مقاطعة أو توجيه أسئلة، أريد أن أحظى بالعناية التي يحظى بها حتى وهو لا يعمل! أريد أن أكون بصحبة أبي عندما يصل إلى البيت من العمل حتى وهو مرهق، وأريد من أمي أن تجلس بصحبتي حتى وهي منزعجة أو حزينة، وأريد من إخوتي وأخواتي أن يتخاصموا ليختار كل منهم صحبتي، أريد أن أشعر بأن أسرتي تترك كل شيء جانباً لتقضي وقتها معي! وأخيراً وليس آخراً، أريد منك يا إلهي أن تقدّرني على إسعادهم والترفيه عنهم جميعاً،يا ربِّ إنني لا أطلب منك الكثير أريد فقط أن أعيش مثل أي تلفاز!!».
انتهى الزوج من قراءة موضوع التلميذ وقال: يا إلهي، إنه فعلاً طفل مسكين، ما أسوأ أبويه!!، فبكت المعلمة مرةً أُخْرَىْ وقالت: إنَّه الموضوع الذي كتبه ولدنا»».
أشك أن تكون هناك صدمة أكبر من هذه الصدمة التي صفعت هذين الوالدين المنشغلين بحياتهما عن العمل الحقيقي الذي يحتاجه إليه ولدهما. هذا الطفل الذي بدا يحسد التلفزيون على ما يلاقيه من متابعة واهتمام، لا يستطيع الحصول على شيء منه، كما يحصل عليه التلفزيون من والدين غير واعيين على أن الحياة ليست في العمل فقط، أو الركض وراء اللقمة، أو البحث عن المركز المناسب، إن متعة الحياة الحقيقية هي في إعطاء المعنى لوجودنا، لأطفالنا، لما نسميهم الأسرة أو العائلة أو البيت.
ما الجدوى من الحياة ونحن نترك مثل هذا الطفل، وغيره ملايين، يحلم بالحصول على رعاية واهتمام من والديه وإخوته كما يحصل عليه تلفزيون البيت!