في حوار التوافق الوطني الذي أقيم في صيف عام 2011، شاركت «الوفاق» في عدد من الجلسات، وحينما أدركت أنها أمام بقية مكونات المجتمع الأخرى التي تحمل قناعات وأفكاراً وثوابت مغايرة عنها، عمدت إلى الانسحاب من الحوار بعد أن استماتت في تشويه صورته في وسائل الإعلام المختلفة.
«الوفاق» لم تتحمل أن يخالفها أحد الرأي، ولم تتحمل مجرد الاستماع لوجهات نظر تعارض وجهات نظرها، فكان الحل بالانسحاب والاستمرار في تسخين الشارع وإشعال البلد.
المضحك في المسألة، أن «الوفاق» نفسها وصفت انسحابها «المنفرد» من الجلسات بانسحاب «المعارضة»، متناسية بأن بقية رفقائها الذين تعاملهم كـ»أتباع مضمونين» على رأسهم «وعد» و»المنبر التقدمي» و»التجمع» واصلوا الحوار حتى الأخير وهم من يدخلون ضمن توصيفها لـ»المعارضة» أليس كذلك؟! كان غريباً اقتصار وصف انسحاب المعارضة على «الوفاق» وحدها حينها. عموماً كان ممثلو الجمعيات التي لم تنسحب يطرحون أفكاراً ورؤى وحلولاً حسب وجهة نظرهم، كان البقية يستمعون لها لأنها قدمت بصورة «محترمة» ولم تتضمن ألفاظاً وتعابير «تستهزئ» بالحوار، وتقلل من شأنه، لذلك كان البقية يستمعون لهم وهم –أي الجمعيات التي لم تنسحب- كانوا يستمعون للبقية.
كان العنصر الشاذ يومها في الحوار متمثلاً بـ»الوفاق» وحدها، الجمعية التي اختزلت يومها مسمى «المعارضة» في نفسها، وقدمت نفسها كـ»عاجزة» عن تحمل مجرد الاستماع لآراء الآخرين.
خرجت الوفاق «حصاة انزاحت من طريق الناس» فسار الحوار بمن بقي فيه من جمعيات معارضة وغيرها لينتهي باتفاق على بعض الأمور وبعدم توافق على أمور أخرى.
اليوم سيتكرر السيناريو على ما يبدو، لكن لو افترضنا جدلاً بأن العكس حصل، بحيث رأى المشاركون بأن الحوار يمضي لتغليب وجهة نظر «الوفاق» الأحادية، ألا يفترض بأن يتم تجريع «الوفاق» من نفس الكأس الذي شربته؟!
انسحبت «الوفاق» من الحوار الأول لأنها رأته يسير بعكس ما تريده هي، انسحبت واتهمت الآخرين بإفشاله، والمجتمع الدولي لم يحملها مسؤولية كبيرة عن ذلك، ولم يتهمها بشكل واضح أنها السبب في محاولة إفشال الحوار، رغم أن البروفيسور بسيوني ذكر في تقريره ذلك واصفاً ما فعلته بتضييع الفرص.
اليوم يستأنف الحوار، رغم أننا لم ندرك أنه لم ينته في المرة الأولى بالتالي يحتاج لاستئناف! لكن «ما علينا»، إذ باتت محاولات منح «الوفاق» مزيداً من فرص العودة واضحة تماماً.
سيستأنف الحوار والتوقع بأن «الوفاق» تدخله باستقراء أنه سينتج عن أمور تحقق لها بعضاً مما تريده، وبذلك تكون قد وضعت يداً على طوق النجاة تمهيداً لإخراج نفسها من محيط الفشل الذي قذفت بنفسها به حينما تزعمت المحاولة الانقلابية.
السؤال ليس معنياً بـ»الوفاق» هنا، بل بالأطراف الأخرى التي يفترض بها أن تواصل دعم الثوابت التي تمكست بها في الحوار الأول، وما إذا كانت ترى الوتيرة تمضي وكأنها إرضاء لـ»الوفاق»، وهي فرضية نستبعد حصولها إلا إن أرادت الدولة أن تستثير الجميع عليها مخلصون أو انقلابيون. نقول إذا ما كانت الأمور تسير بعكس ما يأمل له المشاركون، هل سيقومون بنفس فعل «الوفاق» بالانسحاب ورفض الاستمرار في الحوار؟!
لو حصل ذلك، ستجد «الوفاق» مادة إعلامية لتسوقها بأنها كانت جادة في الحوار وأن الآخرين هم من أفشلوه. بيد أن هذا ليس مبرراً لبقية المكونات أن تجلس وتقبل بالاستمرار وتتردد في اتخاذ موقف، إذ لن تقوم القيامة إن فعلت مثلما فعلت «الوفاق» في السابق عبر الانسحاب وانتقاد الحوار برمته.
لسنا دعاة لإفشال الحوار، لكننا ننبه من سيمثل المخلصين من هذا الشعب بأن عليهم مسؤولية جسيمة، إن لم يتحملوها بشكلها الصحيح فإن غضب الجموع سيلاحقهم وسيحرق أوراقهم.
«الوفاق» انسحبت وعادت لتطالب بالحوار، لو كنت مكانكم ورأيت أن «الوفاق» تحاول تمرير صفقة ما أو فرض رؤيتها لن أقوم إلا بأمرين:
الأول: أن أدافع عن قناعاتي وأرفض أي شيء لا يحوز التوافق ويكون فيه الخير لجميع البحرينيين دون استثناء، أن أرفض أي شيء فيه محاولات كسب فئوية تحزبية ضيقة على حساب هذا الوطن.
الثاني: الانسحاب ببساطة، إذ ليست «الوفاق» في منزلة أرفع من منزلة المخلصين لهذا البلد حتى تصر على تسيير الأمور على هواها فتحصل على ما تريد. تنسحب حينما لا يعجبها العجب فتمنح «إعادة» و»دور ثان» علها تنجح هذه المرة!
الحوار يحتاج لأطراف قوية تصر على مواقفها وثوابتها، نعم تحاول الوصول إلى توافق للمضي بهذا الوطن، لكن لا يفترض بها بأي حال من الأحوال التسليم والتنازل والقبول بتمرير أجندات أطراف أخرى، فقط بذريعة إصلاح الوضع وتحت دعوى التوافق، هذا التوافق الذي يجب أن يكون على ما يريده شعب البحرين لا على ما يريده من يواصلون في حرق البحرين.
نأمل نجاح الحوار، لكن ذلك لا يمنعنا من التساؤل بشأن من سينسحب منه!