منذ صغرنا ونحن ندرك أن مهنة الطب لها سماتها الخاصة التي تميزها عن كثير من المهن، ولا شك بأنها طموح كل طفل في المستقبل، وعادةً الصفة التي نطلقها على الطبيب إما «دكتور» أو «حكيم»، معتقدين أن المسميين لهما نفس الدلالة، مع العلم أنه يوجد فرق شاسع بين المعنيين.
فلاأزال أذكر الموضوع الإنشائي الذي كتبته في صف الرابع الابتدائي بعنوان (الطبيب الساحر)، معتقدةً أن الطبيب الذي تأخذني إليه والدتي ساحراً، فهو يمكنه تشخيص حالتي قبل أن تكمل والدتي شرح ما أعاني منه.. كيف هذا إن لم يكن ساحراً!
فرغم عيادته المتواضعة إلا أنه نادراً ما تجد كرسياً خالياً، وكنت أخجل بشدة عندما أجد مديرة مدرستنا موجودة في العيادة أو أحد من الأعيان الذيـــــن يشــار إليـــهم بالبنـــان جالساً بصمت، وكنت أحاول أن أغطي وجهي بالمجلة التي تقـــــرأها والدتـي، فالازدحام والصمت كانا سيدا الموقف في هذه العيـــــادة التي تهالكت جدرانها مـــــن الرطوبة، ثم كبرت وأنا أحتفظ كبقية أبناء جيلي الذين كانوا يقصدون هذا الطبيب وعيادته بكثير من الذكريات الجميلة، وأجل له الكثير من التقدير والاحترام، معتقدةً أن جميع الأطباء كهذا الحكيم ولهم نفس النهج المهني والاحترافي والأخلاقي.
من فترة ليست ببعيدة، شعرت أن هزة قوية ضربت جدران رأسي عندما دخلت إحدى العيادات الخاصة، وأنا في غرفة الانتظار جالسة مع ولدي أنتظر دوره، وأثناء محاولتي لأن أجد مجلة أتصفحها خلال جلستي، وإذ يقع نظري على ملفات المرضى التي لمحتها بنظري أول دخولي العيادة، وبالطبع لم أعرها اهتماماً حينها، أما الآن وبسبب طول فترة الانتظار فأنا جالسة ولدي المتسع من الوقت الذي يسمح لي بأن أدقق حتى النمل الذي يكون متواجداً في زوايا الغرفة، إلا أن الأمر ليس مخفياً وليس مستوراً؛ فهو معلن وواضح ويشغل حيزاً كبيراً على الرف الذي يعلو رأس موظفة الاستقبال والأحرف ليست كالنمل بل بالحجم الذي يسمح لشخص يبعد عشرات الأمتار أن يقرأها حتى وإن كان نظره ضعيفاً.
نعم فما أقرأه هو حقيقي وليس وهماً أو فيه بعضاً من اللبس أو التهيؤات، فملفات المرضى مفرزة على حسب (VIP) و(V.VIP).
أيعقل ما أقرأه! لا أصدق ذلك! فأنا أدرك تماماً أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس وجعل بينهم فروقات مادية، وليس عيباً أو حراماً أن يصنف الناس على كونهم VIP أو دون ذلك، لكن هذا لا يعني أبداً أن يصبح التمييز من قبل الناس الحكماء عذراً، أقصد الأطباء، إلى هذه الدرجة.
وهل أصبحت مداواة الناس بحسب نوع مرضهم أم بحسب طبقتهم الاجتماعية أم رصيدهم المصرفي!!! فهذا التصنيف طبيعي أن نراه في الأمور التجارية والصناعية والمهنية والسياحية، لكن ما لم أكن أتخيله لحظة بأنه سيتسلل إلى مهنة من أسمى المهن وهو الطب. وإن كان ولا بد من التصنيف، لكن لا يكون بارزاً بهذا الشكل المقزز!!!
فلا يحق لنا أن نمزج ما بين الطبيب والحكيم، فليس كل طبيب حكيم ولا كل حكيم طبيباً. أما في حالة أن يكون الطبيب حكيماً فهذا يعتبر كنز لا يقدر بثمن، وجب علينا الاحتفاظ والتمسك به ورفعه عالياً.
وصدق الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه عندما قال:
إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره
وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه
فلاأزال أذكر الموضوع الإنشائي الذي كتبته في صف الرابع الابتدائي بعنوان (الطبيب الساحر)، معتقدةً أن الطبيب الذي تأخذني إليه والدتي ساحراً، فهو يمكنه تشخيص حالتي قبل أن تكمل والدتي شرح ما أعاني منه.. كيف هذا إن لم يكن ساحراً!
فرغم عيادته المتواضعة إلا أنه نادراً ما تجد كرسياً خالياً، وكنت أخجل بشدة عندما أجد مديرة مدرستنا موجودة في العيادة أو أحد من الأعيان الذيـــــن يشــار إليـــهم بالبنـــان جالساً بصمت، وكنت أحاول أن أغطي وجهي بالمجلة التي تقـــــرأها والدتـي، فالازدحام والصمت كانا سيدا الموقف في هذه العيـــــادة التي تهالكت جدرانها مـــــن الرطوبة، ثم كبرت وأنا أحتفظ كبقية أبناء جيلي الذين كانوا يقصدون هذا الطبيب وعيادته بكثير من الذكريات الجميلة، وأجل له الكثير من التقدير والاحترام، معتقدةً أن جميع الأطباء كهذا الحكيم ولهم نفس النهج المهني والاحترافي والأخلاقي.
من فترة ليست ببعيدة، شعرت أن هزة قوية ضربت جدران رأسي عندما دخلت إحدى العيادات الخاصة، وأنا في غرفة الانتظار جالسة مع ولدي أنتظر دوره، وأثناء محاولتي لأن أجد مجلة أتصفحها خلال جلستي، وإذ يقع نظري على ملفات المرضى التي لمحتها بنظري أول دخولي العيادة، وبالطبع لم أعرها اهتماماً حينها، أما الآن وبسبب طول فترة الانتظار فأنا جالسة ولدي المتسع من الوقت الذي يسمح لي بأن أدقق حتى النمل الذي يكون متواجداً في زوايا الغرفة، إلا أن الأمر ليس مخفياً وليس مستوراً؛ فهو معلن وواضح ويشغل حيزاً كبيراً على الرف الذي يعلو رأس موظفة الاستقبال والأحرف ليست كالنمل بل بالحجم الذي يسمح لشخص يبعد عشرات الأمتار أن يقرأها حتى وإن كان نظره ضعيفاً.
نعم فما أقرأه هو حقيقي وليس وهماً أو فيه بعضاً من اللبس أو التهيؤات، فملفات المرضى مفرزة على حسب (VIP) و(V.VIP).
أيعقل ما أقرأه! لا أصدق ذلك! فأنا أدرك تماماً أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس وجعل بينهم فروقات مادية، وليس عيباً أو حراماً أن يصنف الناس على كونهم VIP أو دون ذلك، لكن هذا لا يعني أبداً أن يصبح التمييز من قبل الناس الحكماء عذراً، أقصد الأطباء، إلى هذه الدرجة.
وهل أصبحت مداواة الناس بحسب نوع مرضهم أم بحسب طبقتهم الاجتماعية أم رصيدهم المصرفي!!! فهذا التصنيف طبيعي أن نراه في الأمور التجارية والصناعية والمهنية والسياحية، لكن ما لم أكن أتخيله لحظة بأنه سيتسلل إلى مهنة من أسمى المهن وهو الطب. وإن كان ولا بد من التصنيف، لكن لا يكون بارزاً بهذا الشكل المقزز!!!
فلا يحق لنا أن نمزج ما بين الطبيب والحكيم، فليس كل طبيب حكيم ولا كل حكيم طبيباً. أما في حالة أن يكون الطبيب حكيماً فهذا يعتبر كنز لا يقدر بثمن، وجب علينا الاحتفاظ والتمسك به ورفعه عالياً.
وصدق الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه عندما قال:
إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره
وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه