ضمانات المكتسبات السياسية في البحرين دائماً ما يثار بشأنها جدل وتشكيك كبير في شرعيتها، فعندما صدرت التعديلات الدستورية الأولى، أثير السؤال، ما هي الضمانات؟ وعندما صدر قانون الجمعيات السياسية، أثير السؤال، ما هي الضمانات؟ وعندما طرح مشروع قانون الأحكام الأسرية، أثير السؤال، ما هي الضمانات؟ وطرحت مبادرة سمو ولي العهد، أثير السؤال مرة أخرى، ما هي الضمانات؟ وأقيم حوار التوافق الوطني في صيف 2011، وأثير السؤال أيضاً، ما هي الضمانات؟ ويتكرر السؤال الآن مع بداية استكمال الحوار، ما هي الضمانات؟
لماذا يتكرر مطلب الضمانات دائماً لدى بعض القوى السياسية؟
إذا استعرضنا تاريخ المصداقية السياسية سنكتشف من الذي تمسك بمصداقيته، إذا تمت المقارنة بين مصداقية الحكومة والجمعيات السياسية الراديكالية على الأقل. في الوقت الذي مازالت فيه الأخيرة تعجز حتى عن الاعتراف بأخطائها وتصحيحها، وباتت لا تملك الشجاعة الكافية لتقديم الاعتذار للجماهير.
الجمعيات السياسية الراديكالية دائماً ما تحرص على المطالبة بضمانات، ليس كما يروج بأنها عانت من «خداع الماضي»، وإنما للهروب من تقديم ضمانات بالمقابل.
الحالة المنطقية داخل أي نظام أن الضمانات هي الدستور، والقوانين الوطنية، وجميعها قائمة على مسألة الثقة السياسية. وعليه فإن كافة مكونات المجتمع والقوى السياسية عليها أن تتحرك في هذا النطاق بين الدستور والقوانين بشكل من الثقة، وليس الخوف، لأن الخوف وليد الخروج عن القانون وتجاوزه المستمر.
هذا هو الدافع الذي يدفع الجمعيات الراديكالية إلى طلب ضمانات بهدف التعجيز، لأنها غير قادرة على بناء الثقة، ومتى ما تخلصت من هذه النزعة، بإمكانها بناء علاقات شراكة ناجحة مع كافة مكونات المجتمع والقوى السياسية الأخرى.
ورغم تكرار مطالبات الجمعيات الراديكالية بالضمانات، إلا أن مكونات المجتمع والقوى السياسية الأخرى لم تطرح يوماً مطلباً يقوم على ضرورة توفير ضمانات من أجل قانون ما أو سياسة معينة، لأنها تعمل وتمارس حراكها السياسي وفقاً للمنظومة الدستورية والقانونية في المجتمع، وهذا هو الفرق الذي يبني الثقة السياسية.
رغم درجات الإرهاب المرتفعة والعنف السياسي الذي خرجت به جماهير الجمعيات الراديكالية خلال العامين المنصرمين إلا أنه لم تظهر مطالبة أو سؤالاً من إحدى الأطراف لهذه الجمعيات بتحديد ضمانات لإيقاف إرهابها أبداً، بل كان هناك ضبط كبير للنفس يقوم على المطالبة بمزيد من سيادة القانون وتطبيقه حفاظاً على هيبة الدولة.
لذلك، إذا كانت ثمة مطالبة من الجمعيات الراديكالية أثناء استكمال حوار التوافق الوطني الآن بضمانات، فيحق للأطراف الأخرى أيضاً طلب ضمانات تتعلق بوقف الإرهاب والعنف السياسي، واستهداف رجال الأمن، واستهداف المقيمين الأجانب. ويحق لها كذلك المطالبة بضمانات أخرى تتعلق بعدم تدخل عيسى قاسم من منبره الديني في الشأن السياسي، وإيقاف التحريض كضمانات لتطبيق الدولة المدنية، التي لا يوجد فيها دور سياسي للمؤسسة الدينية كما هو قائم الآن.