في مقابلة حديثة للشيخ علي سلمان مع وكالة أنباء «فرانس برس» سئل سلمان عن سبب فشل «ثورة» البحرين مقارنة بثورتي مصر وتونس فأجاب بأن»السبب يكمن في أن الديكتاتورية في البحرين أكثر تجذراً من مصر وتونس»!!
وإن كانت هذه الإجابة لا تستحق عناء الرد والتفنيد والاجتهاد في المقارنة، لكن الرد الحقيقي الذي يجب أن يشهر دائماً في وجه «الوفاق» وأتباعها أن من أفشل «الثورة» المزعومة هو عينة كبيرة من شعب البحرين تمثل البحرين تمثيلاً حقيقياً من حيث العدد الغفير ومن حيث التنوع والتعدد.
«الثورة» المزعومة لم تجهضها الديكتاتورية البحرينية العتيدة، حسب ما صور علي سلمان، بل أجهضها شعب البحرين سنة وشيعة وبهرة ومسيحيون ويهود، قبائل وحضر ووافدون، حين أراعهم وأرهبهم تكتل طائفي واحد خرج منظما ومدربًا واحتل قلب المنامة وعلق المشانق وهتف «ارحلوا فقد انتهت الزيارة «، وضرب الطلاب في المدارس، والاعتداء على المواطنين في مناطقهم، لأنهم مجنسون ووافدون و»طبالة» و»عبيد»!!
الذي أفشل «الثورة» أنها لم تنطلق من إجماع وطني ولم تخرج بمشروع وطني، ولكنها كانت تتويجاً لعشر سنوات من تجذير التقسيم في المجتمع والحديث من قِبل المعارضة بصوت واحد منفرد.
وبما أننا نعيش ذكرى ميثاق العمل الوطني الذي سجل أعلى نسبة إجماع وطني «98.4%»، فإن ديدن المعارضة لم يخرج عن الانقلاب على كل مناسبة وطنية، وتحويلها إلى يوم ذي مناسبتين، فيخرج جزء من الشعب يحتفل بذكرى الميثاق، ويخرج جزء آخر محيياً ذكرى الثورة والشهداء، تماماً كما فعلوا بالعيد الوطني حيث يخرج جزء من الشعب يحيي المناسبة الوطنية في الشوارع والمرافق العامة، ويخرج جزء آخر إلى المقابر يستذكر قتلاه في «يوم الشهيد» كما يسمونه، هكذا فعلتم بشعب البحرين باسم «الثورة» يا شيخ علي سلمان، ولم يفعلها ثوار مصر وتونس، هكذا مزقتم الإجماع الوطني في وجدان الشعب البحريني وجعلتم بعضه يفسد فرحة الآخر، وبعضه يحتفل يوم يحزن الآخر.
ولأن الحديث عن الثورات والربيع العاصف بالعرب لم يعد له موقع إعراب، فإن الحديث عن الإصلاح في البحرين يبدأ من دراسة حلول جادة لمشكلة الوحدة الوطنية، التي خلقها حراك المعارضة الفردي والإقصائي، فلقد عشنا عقوداً ندرك أننا مختلفون، وأننا بطبيعة الحال والمحل والتاريخ والجغرافيا، ننقسم إلى سنة وشيعة وإلى أعراق متعددة سكنت البحرين على مراحل متواترة، لكننا لم نعان يوماً من أزمة تعايش ومن ارتياب مما قد تحمله الصدور، والخروج بمشروع وطني لإعادة بناء الوحدة الوطنية والإجماع الوطني ليست «الوفاق» وأتباعها هم المطالبون به فقط، برغم أنهم أكثر من أضر به ومازالوا يضرون، ولكن حتى الحكومة مطالبة بطرح مشروع وطني يعالج التصدع الذي أصاب المجتمع.
والعودة إلى حالة التوافق الوطني لن تكون بالمهرجانات والشعارات المجانية، بل بالخطوات الإجرائية القائمة على دراسات سيسيولوجية تعيد توصيف المجتمع وتركيبه وتوزيعه الجغرافي، وتفك «الكانتونات» المنغلقة على ذاتها، ولن يكون إعادة خلق الوفاق بمشروع المحاصصة الذي صار يطرحه الشيخ علي سلمان والذي سيعمق التجزئة والتقسيم بين شعب البحرين، بل يكون بالإصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد وإيقاف التعيينات بالولاء والنسب، ووضع المسؤول المؤهل في المكان المناسب، وجرد أداء الحكومة بكل شفافية ومصداقية ومحاسبة الوزراء وتحويل المسؤولين الفاسدين إلى القضاء، وها هي جلسات الحوار تعقد فلترينا المعارضة برامجها الوطنية، خارج المحاصصات وخارج مغازلة الشوارع الملتهبة، واللعب على جراحها وآلامها وآمالها.
ولكن، سيبقى فبراير شهر إجماع وطني في الذاكرة البحرينية، سواء يوم 14 فبراير الذي يمثل ذكرى الإجماع على الميثاق الوطني الذي يتعين على كافة الأطراف العمل على تفعيله، أو ذكرى 21 فبراير الذي يمثل ذكرى الإجماع على رفض أي مشروع لا يستشار فيه الشعب ولا يجمع عليه، وهذه مسؤولية الإعلام البحريني والنخب المفكرة والمثقفة أن تجذر معنى الإجماع الوطني في فبراير في وعي الشعب البحريني ووجدانه، وأن يكون الإجماع الوطني شعار المرحلة المقبلة ومعيار تقييم أطروحات الحوار ونقاشاته ونتائجه، وأن تحاسب كل الأطراف على دورها في ترجمة الإجماع الوطني وتجردها من مصالحها الذاتية أو الفئوية سواء كانت الجمعيات السياسية باختلافاتها الأيديولوجية، أم الحكومة بكافة أجهزتها.
وكل فبراير والبحرين في سلام وأمان وإجماع وطني.