اتسمت أزمة البحرين السياسية في 2011 بأنها حرب اللاعنف حسبما وصفها الأستاذ يوسف البنخليل في كتابه «حرب اللاعنف في البحرين» والصادر في 2012، ذلك الكتاب الذي أورد فيه الكاتب تعريفاً لحرب اللاعنف نقلاً عن أحمد عبدالحكيم وآخرين في كتابهم «حرب اللاعنف.. الخيار الثالث»، جاء فيه: «شن الصراع الحاسم على الخصوم المعاندين من خلال التحكم المقصود والمخطط في أدوات القوة السياسية لتحطيم إرادة الخصم باستخدام أسلحة لا عنيفة قوية التأثير». وقد أورد البنخليل أسلحة العنف المستخدمة خلال أزمة فبراير 2011 في البحرين، كالخطب والتصريحات، ورسائل المقاومة والدعم، والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الإذاعية والتلفزيونية، والهواتف الذكية، والشعارات، واللافتات والملصقات، والتسجيلات المرئية والمسموعة، والأعمال الفنية، وارتداء الملابس الرمزية، والمواكب وغيرها كثير.
ولعلنا نلحظ أن تلك الأسلحة في غالبها أسلحة اتصالية ركزت على الحرب النفسية بالمقام الأول، فيما تحولت الحرب في فترات لاحقة وخصوصاً في فبراير 2013 إلى حرب عنف، خصوصاً عقب استخدام سلاح «الشوزن» من قبل إرهابيي البحرين. فهل يمكن الحكم بانقضاء عهد حرب اللاعنف الذي تحدث عنه البنخليل؟ طبعاً «لا» إذ بدأ الإرهابيون بالعمل على خطين متوازيين من الحروب «عنف، ولا عنف» في آن واحد.
ولكن كيف؟!!
نقف اليوم عند واحدة من أبرز مظاهر حرب اللاعنف في البحرين، وهي حرب الشائعات وتأثيراتها النفسية على المتلقين، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة عدد من الرسائل عبر الأجهزة الذكية تتناول أخباراً كاذبة جادة في نصوصها، معززةً بروابط لصور ساخرة من محتوى الخبر، نورد منها مثالين، الأول، خبر نصه «عاجل.. قوات الشغب تطارد طفلاً لا ذنب له سوى أنه خرج لرمي مخلفات الطعام في الحاوية»، وتجد أدناه رابطاً لمقطع فيديو يركض فيه طفل في الثالثة أو الرابعة من العمر خوفاً من طيور «الحمام» التي تلاحقه.
خبر آخر نصه: «قطيع من المتظاهرين يتجهون الآن لتقاطع الفاروق»، وإذا بالرابط أدنى الخبر يوجهنا إلى صورة لقطيع «خرفان» مع لافتة اتجاه أُضيفت بـ «الفوتوشوب» على الصورة وقد كُتب عليها «تقاطع الفاروق».
ولعلك تتصور نوع المشاعر التي تعتري متلقي الرسالة فور قراءة الخبر، ليجد في آخر المطاف أن الرسالة ساخرة، وقد انتشرت بغرض التندر واللعب على الأعصاب والعقول، ومن المؤسف أن يتفاعل الناس مع مثل هذه الأخبار، وينشرونها على سبيل التسلية، مع الجهل أو التجاهل بأن كثيراً ممن يستلم تلك الرسائل يكتفي بقراءة الخبر دون التعرض للروابط الملحقة به، ويتعامل معه كخبر حقيقي وجاد، وقس على ذلك التأزيم النفسي لدى الجماهير وربما ردود الفعل. ولعل ما يعزز هذا الرأي ما أورده د. كاظم مؤنس في كتابه «خطاب الصورة الاتصالي وهذيان العولمة»: «تلعب اللغة والمشاعر دوراً خطيراً في فهم المتلقي واستجابته على مستوى تفسيره لرموز الإشارات التي يتلقاها من المرسل».
ومن المؤسف أن جهل البعض، وتسرعهم في نشر مثل هذه الأخبار، ونقلها دون تأكد أو دون مبالاة يحدث إرباكاً لدى الرأي العام. ثم أخطر ما في الشائعات ظهورها في الظروف الحرجة والاستثنائية ما قد يخرج الأمور عن السيطرة إن لم توضحها وسائل الإعلام الرسمية في ظل التعزيز الكاذب من جهات أخرى. ويجب أن لا ننسى أن بعض الشائعات تترك بصماتها على الجمهور، وحتى الشائعات التي تبدو تافهة تغوص في أعماق النفوس، ويفسر ذلك صلاح محمد عبدالحميد في كتابه «الشائعات والحرب النفسية» بأن تأثير الشائعات ليس لأنها تكون موضوعاً للقيل والقال، والثرثرة الاجتماعية المثيرة، بل لأنها تلامس الحيرة والقلق العميقين السائدين في زمن الشائعة. ورغم وجود القنوات الرسمية الإعلامية كالصحافة والتلفزيون والإذاعة فإن الجمهور ما زال يستقي كثيراً من المعلومات الواردة إليه من خلال المحادثات الشفوية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وربما منشأ ذلك ضعف الثقة ببعض وسائل الإعلام فيما يتعلق بمثل هذه الأزمات السياسية في ظل وجود ما يسمى بحارس البوابة في المؤسسات الإعلامية والذي تفرض بمقتضاه الرقابة على كل ما يتم بثه أو نشره، بالنسبة لبعض الأخبار والقضايا.
فضلاً عن ذلك، انحراف بعض وسائل الإعلام عن رسالتها الحقيقية –ولدينا في البحرين نماذج شاخصة- اختارت أن تكون بوقاً ينعق بصوت الإرهابيين وقواهم السياسية، وتورطت في نشر الشائعات الكاذبة بغية تشويه الحقائق وتوجيه الرأي العام، وسوّقت لأشخاص سيئين فضلاً عن تزوير الحقائق والأحداث أو نشرها غير مكتملة الجوانب، على أنها محايدة.
ولطالما كانت هذه القنوات الإعلامية -صحافية أو فضائية- بمثابة عدو يختبئ خلف جدراننا، هدفه وشغله الشاغل تصدير الشائعات الانهزامية.
ولا تخفى خطورة الحرب النفسية، فهي تفوق مقدرات الحروب العسكرية في كثير من الأحيان، وذلك بتوجيه تأثيراتها على أعصاب ووجدان ومعنويات الجمهور مباشرة. ومن المؤسف أن الخصم يحقق أهدافه الدنيئة المذكورة عبر الاختفاء وراء الدين والصحافة والفكاهات –كما ذكرنا في الأمثلة- والإذاعة وما إلى ذلك. ويبرهن قوة الحرب النفسية وأدواتها على الجماهير قول المخطط العسكري الصيني «صن تزو»: «إن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال». لا سيما وأن الشائعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم.
ورغم التعويل الكبير على الإعلاميين والمثقفين من خيرة أبناء البحرين لدحض هذه الشائعات، إلاَّ أنه يمكن القول إنه أصبح من الصعب أحياناً الفصل بين هؤلاء في توجهاتهم وأهدافهم نظراً لاختلاط الحابل بالنابل، ما يستلزم التفكير ملياً وجدياً في إيجاد بدائل أخرى تعيد التوازن النفسي لدى الجماهير في مثل هذه الظروف. ولا ضير من دراسة تجربة «مركز السيطرة على الشائعات» الذي افتتح في هاريسبورج في محاولة لديك ثوربنرج في دحض الشائعات المنتشرة في بنسلفانيا آنذاك حول الحادث الذي جرى في منشأة نووية في جزيرة ثري مايل.
إن العمل على إنشاء مؤسسة رسمية محايدة بالتعاون مع وكالات الأنباء والصحف وجميع مصادر المعلومات للتثبت من صحة الأخبار المتداولة أولاً بأول ومن ثم تقديمها للجمهور على هيئة إجابة على تساؤلاتهم أو حتى الظهور الإعلامي الفوري في نشرات خاصة عقب انتشار شائعة ما في المجتمع، هو بمثابة حماية لحقوق الجمهور المتلقي في المجال المعلوماتي والإعلامي.
ولكن، قبل دراسة الفكرة لا بد من دراسة إمكانية اختيار الثقات للعمل في مثل هذه المؤسسات الحرجة والحساسة وخلوها من طابور خامس مفسد نظراً لأهميتها، فإن لم يكن كذلك «فكأنك يا أبو زيد ما غزيت».
ولعلنا نلحظ أن تلك الأسلحة في غالبها أسلحة اتصالية ركزت على الحرب النفسية بالمقام الأول، فيما تحولت الحرب في فترات لاحقة وخصوصاً في فبراير 2013 إلى حرب عنف، خصوصاً عقب استخدام سلاح «الشوزن» من قبل إرهابيي البحرين. فهل يمكن الحكم بانقضاء عهد حرب اللاعنف الذي تحدث عنه البنخليل؟ طبعاً «لا» إذ بدأ الإرهابيون بالعمل على خطين متوازيين من الحروب «عنف، ولا عنف» في آن واحد.
ولكن كيف؟!!
نقف اليوم عند واحدة من أبرز مظاهر حرب اللاعنف في البحرين، وهي حرب الشائعات وتأثيراتها النفسية على المتلقين، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة عدد من الرسائل عبر الأجهزة الذكية تتناول أخباراً كاذبة جادة في نصوصها، معززةً بروابط لصور ساخرة من محتوى الخبر، نورد منها مثالين، الأول، خبر نصه «عاجل.. قوات الشغب تطارد طفلاً لا ذنب له سوى أنه خرج لرمي مخلفات الطعام في الحاوية»، وتجد أدناه رابطاً لمقطع فيديو يركض فيه طفل في الثالثة أو الرابعة من العمر خوفاً من طيور «الحمام» التي تلاحقه.
خبر آخر نصه: «قطيع من المتظاهرين يتجهون الآن لتقاطع الفاروق»، وإذا بالرابط أدنى الخبر يوجهنا إلى صورة لقطيع «خرفان» مع لافتة اتجاه أُضيفت بـ «الفوتوشوب» على الصورة وقد كُتب عليها «تقاطع الفاروق».
ولعلك تتصور نوع المشاعر التي تعتري متلقي الرسالة فور قراءة الخبر، ليجد في آخر المطاف أن الرسالة ساخرة، وقد انتشرت بغرض التندر واللعب على الأعصاب والعقول، ومن المؤسف أن يتفاعل الناس مع مثل هذه الأخبار، وينشرونها على سبيل التسلية، مع الجهل أو التجاهل بأن كثيراً ممن يستلم تلك الرسائل يكتفي بقراءة الخبر دون التعرض للروابط الملحقة به، ويتعامل معه كخبر حقيقي وجاد، وقس على ذلك التأزيم النفسي لدى الجماهير وربما ردود الفعل. ولعل ما يعزز هذا الرأي ما أورده د. كاظم مؤنس في كتابه «خطاب الصورة الاتصالي وهذيان العولمة»: «تلعب اللغة والمشاعر دوراً خطيراً في فهم المتلقي واستجابته على مستوى تفسيره لرموز الإشارات التي يتلقاها من المرسل».
ومن المؤسف أن جهل البعض، وتسرعهم في نشر مثل هذه الأخبار، ونقلها دون تأكد أو دون مبالاة يحدث إرباكاً لدى الرأي العام. ثم أخطر ما في الشائعات ظهورها في الظروف الحرجة والاستثنائية ما قد يخرج الأمور عن السيطرة إن لم توضحها وسائل الإعلام الرسمية في ظل التعزيز الكاذب من جهات أخرى. ويجب أن لا ننسى أن بعض الشائعات تترك بصماتها على الجمهور، وحتى الشائعات التي تبدو تافهة تغوص في أعماق النفوس، ويفسر ذلك صلاح محمد عبدالحميد في كتابه «الشائعات والحرب النفسية» بأن تأثير الشائعات ليس لأنها تكون موضوعاً للقيل والقال، والثرثرة الاجتماعية المثيرة، بل لأنها تلامس الحيرة والقلق العميقين السائدين في زمن الشائعة. ورغم وجود القنوات الرسمية الإعلامية كالصحافة والتلفزيون والإذاعة فإن الجمهور ما زال يستقي كثيراً من المعلومات الواردة إليه من خلال المحادثات الشفوية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وربما منشأ ذلك ضعف الثقة ببعض وسائل الإعلام فيما يتعلق بمثل هذه الأزمات السياسية في ظل وجود ما يسمى بحارس البوابة في المؤسسات الإعلامية والذي تفرض بمقتضاه الرقابة على كل ما يتم بثه أو نشره، بالنسبة لبعض الأخبار والقضايا.
فضلاً عن ذلك، انحراف بعض وسائل الإعلام عن رسالتها الحقيقية –ولدينا في البحرين نماذج شاخصة- اختارت أن تكون بوقاً ينعق بصوت الإرهابيين وقواهم السياسية، وتورطت في نشر الشائعات الكاذبة بغية تشويه الحقائق وتوجيه الرأي العام، وسوّقت لأشخاص سيئين فضلاً عن تزوير الحقائق والأحداث أو نشرها غير مكتملة الجوانب، على أنها محايدة.
ولطالما كانت هذه القنوات الإعلامية -صحافية أو فضائية- بمثابة عدو يختبئ خلف جدراننا، هدفه وشغله الشاغل تصدير الشائعات الانهزامية.
ولا تخفى خطورة الحرب النفسية، فهي تفوق مقدرات الحروب العسكرية في كثير من الأحيان، وذلك بتوجيه تأثيراتها على أعصاب ووجدان ومعنويات الجمهور مباشرة. ومن المؤسف أن الخصم يحقق أهدافه الدنيئة المذكورة عبر الاختفاء وراء الدين والصحافة والفكاهات –كما ذكرنا في الأمثلة- والإذاعة وما إلى ذلك. ويبرهن قوة الحرب النفسية وأدواتها على الجماهير قول المخطط العسكري الصيني «صن تزو»: «إن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال». لا سيما وأن الشائعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم.
ورغم التعويل الكبير على الإعلاميين والمثقفين من خيرة أبناء البحرين لدحض هذه الشائعات، إلاَّ أنه يمكن القول إنه أصبح من الصعب أحياناً الفصل بين هؤلاء في توجهاتهم وأهدافهم نظراً لاختلاط الحابل بالنابل، ما يستلزم التفكير ملياً وجدياً في إيجاد بدائل أخرى تعيد التوازن النفسي لدى الجماهير في مثل هذه الظروف. ولا ضير من دراسة تجربة «مركز السيطرة على الشائعات» الذي افتتح في هاريسبورج في محاولة لديك ثوربنرج في دحض الشائعات المنتشرة في بنسلفانيا آنذاك حول الحادث الذي جرى في منشأة نووية في جزيرة ثري مايل.
إن العمل على إنشاء مؤسسة رسمية محايدة بالتعاون مع وكالات الأنباء والصحف وجميع مصادر المعلومات للتثبت من صحة الأخبار المتداولة أولاً بأول ومن ثم تقديمها للجمهور على هيئة إجابة على تساؤلاتهم أو حتى الظهور الإعلامي الفوري في نشرات خاصة عقب انتشار شائعة ما في المجتمع، هو بمثابة حماية لحقوق الجمهور المتلقي في المجال المعلوماتي والإعلامي.
ولكن، قبل دراسة الفكرة لا بد من دراسة إمكانية اختيار الثقات للعمل في مثل هذه المؤسسات الحرجة والحساسة وخلوها من طابور خامس مفسد نظراً لأهميتها، فإن لم يكن كذلك «فكأنك يا أبو زيد ما غزيت».