أريد أن أستعرض معكم صوراً لجدار بدأ يعزل الشيعة عن محيطهم البحريني ومن ثم الخليجي والعربي، صور لا يجب أن تمر مرور الخبر الإعلامي فحسب دون تحليل ودون وقوف، تحليلاً يتجاوز أدبيات اللطميات والندب ونواح المظلومية ويملك جرأة التحليل والدراسة وشجاعة قلب المرأة.
مطارات دول الخليج والدول العربية بدأت تغلق لا في وجوه أعضاء الوفاق كأعضاء جمعية سياسية فحسب بل في وجه المحسوبين عليها، وذلك امتداد يتجاوز استهداف الأشخاص إلى استهداف الجماعات.
لا يمر أسبوع دون أن تنشر صحيفة اللطميات شكاوى من غلق أبواب الوظائف أو البعثات في وجه أبناء الطائفة الشيعية.
حملات المقاطعة التجارية النشطة بدأت تؤثر بشكل سلبي على العديد من التجار الشيعة.
وإن كنا نرفض أين وكيف تم التعبير عن الأزمة، إلا أننا نتفق على أن هناك أزمة حين صرحت بعض السائحات النائحات في الدول الأوروبية من المحسوبين على النشاط السياسي عن (هولكوست) شيعي في البحرين وربما يمتد إلى الخليج.
بغض النظر عن التوصيف الذي يخلط الأوراق بقصد مكشوف خاصة للجهة التي تم التصريح لها ، إلا أن الجميع بما فيها صحيفة الوفاق تقر بأن هناك أزمة تواجه الطائفة الشيعية، وبغض النظر عن مدى اتساع أثر هذه المؤشرات أم محدوديتها إلا أنه لا يمكنكم تجاهلها وهي صور لملامح جدار عازل بدأ يحيط بالطائفة الشيعية لا في البحرين فحسب بل في دول الخليج العربي لتعاني في رزقها وفي حرية تنقلها معاناة لم تظهر إلا بعد 2011، وإلا لكانت لها صدى مثل ما لها صدى الآن في إعلامهم.
الشيعة مواطنون من صلب هذه الأرض ومن طينها، عرب أو مستعربون لا فرق، حملوا الجنسية للتو أو من الأصل لا فرق، لهم مكانتهم ولهم امتدادهم في دول الخليج العربي وعاشوا وتعايشوا مع محيطهم فلم نسمع أبداً عن غلق المطارات الخليجية في وجوهم، ولم نسمع عن استهداف لحقوقهم المواطنية كما نسمع عنها اليوم، إذاً هناك مشكلة وهناك أزمة وهناك عزلة، هم اليوم يجدون أنفسهم في كانتونات داخل وطنهم البحرين ومن يدخلها وكأنه داخل لمناطق حرب ومن يحاول الخروج منها سيجد جداراً سميكاً عازلاً يحول بينه وبين اندماجه في أي مشروع وطني عمل كان أو دراسة أو تجارة، دعك من قصة الانقسام الطائفي، انظر لموقع ذلك الانقسام فستجد جداراً يلمسه الشيعي في التعامل والتعاطي معه خارج حدود قريته، مهما اتسم بالمجاملات إلا أن العين والقلب لا يمكنهما تجاهل وجود ذلك الجدار.
إنها مؤشرات تدل على أن هناك مشكلة تواجه الطائفة الشيعية في البحرين وربما تمتد إلى الخليج.
فإذا كانت جميع هذه المؤشرات لم تفلح في أن تفتح عيون المجلس العلمائي على الأزمة التي تسبب بها للطائفة الشيعية فإن أي مؤشر آخر لن يفلح.
يستطيع المجلس العلمائي وتستطيع الوفاق وتستطيع صحيفتهم أن تلقى باللوم على أي شماعة تختارها وحتى لو نجحت وأسكتت جميع من تتهمهم بأنهم هم السبب فإنها تحلم بأن ذلك ممكن أن يهدم الجدار، فلو سكتت كل وسائل الإعلام إلا أن بناء الجدار مازال مستمراً ويزيد سماكة كل يوم، فأبناء غلوم فيروز واللوبي الإيراني في الوفاق على سبيل المثال (يردحون) ليل نهار في حساباتهم على التويتر يدفعون الوفاق دفعاً لغلق البوابات على الكانتونات الشيعية وعزلهم عن محيطهم البحريني أكثر مما هم الآن منعزلون، بطلبهم الملح للانسحاب من الحوار، رغم أن الحوار قد يكون البوابة الأخيرة التي فتحت كي تجلس الوفاق مع الشعب البحريني وتعود من خلاله للقطار وتتفرغ لمعالجة هذه الأزمة على الأقل من أجل تلك الأرواح التي وثقت بها وسلمتها رقابها.
عيسى قاسم وعلي سلمان يضعان لبنات يومية في ذلك الجدار بخطب تعد بأيام سوداء للشعب البحريني إن لم يستجب للصيغة التي تطرحها الوفاق فيزيد الجدار سماكة مع كل خطبة ومع كل تغريدة.
جداركم عزل حتى الشيعة المختلفين معكم وغير القابلين بمنهجيتكم فلم تتركوا شتماً ولا سباً ولا قذفاً ولا طعناً بشرفهم لم تمارسوه بحقهم، وهكذا مع كل من يخالفكم تعجزون عن مقارعة حجتهم بحجة فلا تتورعون عن سبهم وقذفهم لتزيدوا الجدار سمكاً.
ثم يأتي اكتشاف مخز يزيد الجدار عزلاً بقبول بعض من أبناء الشيعة على تجنيد أنفسهم لخدمة أغراض دولة أجنبية كإيران في ما كشفته أجهزة الأمن من شبكات وخلايا إرهابية ليضاعف من جدار هذه العزلة.
أعمال حرق يومية وتخريب لممتلكات العامة أي لممتلكات من لا تراهم الوفاق، وقطع طرق على الناس العادية كل يوم، كل تلك الممارسات هي لبنة وحجر وزبر من الحديد يزيد الجدار سمكاً يوماً بعد يوم، عازلاً بين الشعب البحريني وبين الشيعة مع الأسف بلا تمييز، هذه الممارسات لا يصنعها الإعلام المعادي بل هي من صنع أيدي المجلس العلمائي والوفاق وصحيفتهم الذين لا يغلقون البوابات عليهم فحسب إنما يحتجزون الشيعة معهم رهائن.
ما تفعله صحيفة الوفاق وما يفعله المجلس العلمائي بناء مستمر بلا كلل وحجارة ترفع الجدار يومياً، هو تكريس للقراءة الخاطئة المضللة التي ستقودكم لخسائر فادحة إن كنتم تصرون على اعتمادها، فهناك منهجية إعلامية مقصودة تساهم يومياً في زيادة سماكة الجدار العازل بين الشيعة وبين الشعب البحريني بتصوير المشهد السياسي على أنه يضم الشيعة ومن يمثلهم والسلطة فحسب ، وإن جمعيات الائتلاف أو تيار الفاتح ليس لهم وجود وما هم سوى مجرد وهم و سراب!
المنهج الإعلامي الذي يتجاهل معطيات تخرق عين الشمس ليتعلق بالتصيد لتصريحات صادرة من هذا الشخص أو ذاك كي يقتنع هو قبل غيره إنه لا يخاطب كائناً حياً، هو منهج النعامة في مواجهة الحقائق، منهج لا يصمد طويلاً حين يحين وقت الاستحقاق، مهما طال أمد الكذب على النفس والعيش في الفقاعة عاجلاً أم آجلاً ستضطر للتعامل مع الواقع.
من يضحك على نفسه هو من صدق أن البحرين تعطلت وشلت حين دعت الوفاق لعصيان مدني قبل عدة أيام، ولم يلحظ أنه لا أحد شعر بالعصيان إلا أهالي القرى المساكين الذين اضطروا لشراء حاجاتهم قبل يوم ثم أجبروا على غلق البرادات الصغيرة داخل قراهم، من عميت عينه عن رؤية الحراك العارم في المؤسسات والشركات والمجمعات التجارية، ورأى بردات ودكاكين القرية مغلقة فإنما له عينان لا يرى بهما وآذان بها صمم.
إنها منهجية التخدير النعامية أصابت حتى صحافيين وصحافيات مخضرمات صرحن للبي بي سي بأن العصيان المدني نجح مائة في المائة!! والله إن النعامة لتضحك عليكم.
دعكم من الإعلام الذي تتصورون أنه من بنى هذا الجدار تعاملوا مع معطيات واقعية تحسب بالعين المجردة، معطيات لا دخل للإعلام بزيادتها أو نقصانها، إنها الأرقام حين تتحدث، أرقام المسيرات تحسب بالمتر المربع، أرقام المشاركين بالانتخابات حين تقاطعون تحسب بالعدد، أرقام المتغيبين حين تدعون للعصيان، فإن تجاهلتم كل هذه الوقائع وهذه المؤشرات وهذه الحقائق وصدقتم ما تروجه صحيفتكم أو علماؤكم بأنكم لا تواجهون خصماً غير السلطة، وبنيتم خطتكم الحوارية على قراءتكم الخاطئة تلك، فإنها خطة ستقودكم لخسارة أخرى مدمرة إضافة لما يقودكم إليه المجلس العلمائي، خسائر لا تتحملونها أنتم أبداً، بل هي لا تمسك من قريب أو من بعيد، فأنتم في مأمن عنها مادياً ومعنوياً، إنما فكروا بالطائفة، فكروا بالجماعة، انظروا لتلك الخسائر التي تكبدوها، انظروا للمستقبل، قيسوا محيط الدائرة صح، اخرجوا من أقفاصكم الزجاجية واخرجوا من الحدود السياسية لمرتفعات الدراز العظمى أو إمبراطوية بني جمرة مع كامل احترامي لأهل المنطقتين.
القوا نظرة على آثار الدمار الشامل الذي خلفتموه على أرصفة وجدران وخدمات تلك المناطق، وعلى ذلك الجدار العازل الذي بنيتموه بين أبنائكم وأبناء الشعب البحريني، وبين أبنائكم وأبناء الشعوب الخليجية والعربية.
فإن كان هناك من راغب في هدم الجدار فلينسانا للحظة كبناة لهذا الجدار حسب اعتقادكم، وليتقدم بمعول وطني يوقف هذا البناء المستمر إلى هذه اللحظة وليبدأ بالنظر إلى الداخل أولاً وبالبحث عن اللبنة التي وضعها هو في هذا الجدار. فإن كنتم ترون الجدار ولا تسألون أنفسكم من بناه فتلك مصيبة. أما إن كنتم لا ترون الجدار أصلاً فالمصيبة أعظم.