كثيرة هي القصائد التي كتبتها الشاعرة البحرينية المبدعة هنادي الجودر، وجميل إلقاؤها لها حتى ليشعر المتلقي أن قريحتها تجود بها في التو واللحظة، فهنادي تغمس كلماتها في قارورة الأحاسيس الكبيرة التي تمتلكها فتخرج لتلامس قلوب المتلقين مباشرة. كل ما كتبته هنادي جميل، لكن بعضه يتميز لسبب أو لآخر، من ذلك المتميز «زهيرية» التي عبرت من خلالها عن حبها لهذا الوطن الجميل، ولخصت أحواله واتخذت ممن يريد به السوء موقفاً، في كلمات بسيطة تشعل قلب المتلقي، فلا يملك إلا أن يردد معها ويدعو بما دعت به على من خانها. تقول هنادي:

يا سائلي ديرتي وسط البحر ورده
حرسها عين الذي هو للعطا ورده
صوت السما ساهر يقرا لها ورده
بحريننا رايتج تعلى ولا تبالي
ما ضرها جاهل يرضع فكر بالي
حصنتها بالسبع ثم قلت في بالي
جعل الذي خانها حال الندم ورده

أما الكلمة الأخيرة «ورده» فتعني «وأردى» أي أردأ من هذه الحال التي صار فيها، فالشاعرة هنا تدعو على من خان البحرين بحال الندم وأردأ من حال الندم، وتؤكد أن راية البحرين تعلو وتعلو من دون أن تبالي، وأنه لم ولن يضرها أولئك الجهّال ممن رضعوا الفكر البالي، فالله سبحانه وتعالى يحميها، وأبناؤها يدافعون عنها حتى آخر قطرة دم.
«الزهيرية» ليست جديدة، ومن الواضح أنها كتبتها في «بنك» الأحداث الصعبة التي مرت على البحرين، ففيها شرح لأحوالها في تلك الفترة التي تبين فيها الخيطان.. الأبيض والأسود.
نتذكر ما حدث في تلك الأيام السوداء ونحن قاب قوسين أو أدنى من الحوار الذي دعا إليه عاهل البلاد، ووجد قبولاً من العالم أجمع، ويفترض أنه قد انطلق يوم أمس الأحد، فالحوار هو الطريق الذي لا بد أن نسلكه إن أردنا الخروج من هذه الحال التي أرادوا لبحريننا الحبيبة، أن تصير فيه، فمن دون أن يجلس الجميع إلى طاولة واحدة ويسمع بعضنا بعضاً، سنظل ندور في حلقة مفرغة لنكتشف بعد قليل أن هذا الوطن قد ضاع وضعنا.
في هذا السياق، قال كثيرون إنهم لم يفهموا خطوة «الوفاق» بذهابها إلى موسكو، فالدفء هنا حيث طاولة الحوار - وحيث يمكن للبحرينيين كما هو طبعهم أن يتغلبوا على كل الصعاب ويحولوا الخلافات إلى اتفاقات - وليس هناك -وإن توفرت الفودكا الروسية!- خطوة «الوفاق» ومن يساندها من الجمعيات السياسية يفهمها البعض أنها هروب من الحوار الذي ظلت تدعو إليه وتتاجر به إعلامياً، وفسره بعض من ذلك البعض أنه سعي للتأجيل ريثما تصل التعليمات من حيث تعودوا وصولها!
لست أشكك في النوايا وقلت من قبل وأعيد أن الجميع يسعى لخير هذا الوطن وإن أخطأ البعض الوسيلة حتى اعتبر في خانة الخائن، الذي لم تجد معه الشاعرة هنادي الجودر بداً من الدعاء عليه عندما قالت «جعل الذي خانها حال الندم ورده». في تقديري، إن الجميع يحب هذا الوطن الجميل، دون أن يفهم هذا على أنه تبرير لمن فعل به ما فعل حتى كاد يطيح به، ويقلل من مكانته بين الأوطان، فما ارتكبه البعض في حق البحرين كان قاسياً بل قاسياً جداً، ولعله يدخل في باب الذنوب التي يصعب على البشر غفرانها ونسيانها، لكننا اليوم أمام طريقين، إما أن نواصل ما نحن فيه ولن نجد أمامنا إلا طرقاً مسدودة، فيتسع الشرخ أو نتوقف وننظر حولنا ونقول كفى ما جرى علينا ثم نبدأ صفحة جديدة عنوانها الأول الحوار.
أخشى ما أخشاه ويخشاه كل محب لهذا الوطن هو أن تفوت فرصة الحوار وتضيع الوردة الجميلة التي وسط البحر.