ونحن نتابع توالي الأخبار من كواليس حوار التوافق الوطني، ومن خلال التصريحات الرسمية والتعليقات والبيانات من مختلف أطرافه، فإننا نحاول أن نتسلح بالأمل والحذر في آن واحد، حتى ولو كانت الأنباء تفيد إلى ساعة كتابة هذه السطور أن الروح السائدة مبشرة كما عبر عنها وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة حيث صرح أن “جميع المشاركين في حوار التوافق الوطني أكدوا أهمية الخروج بنتائج إيجابية من هذا الحوار”، لكنه أعرب عن أمله بتوفر المصداقية لدى جميع المشاركين، هذا الأمل هو ما نتمناه حقيقة، أما ما نطالب به كل المشاركين في الحوار من كل الأطياف بدءاً من جمعيات الائتلاف الوطني والجمعيات الست وممثلي السلطة التشريعية والحكومة، هو أن تكون الرغبة جادة والهدف واضح بالعمل على تجاوز الأزمة، وبدء صفحة جديدة من صفحات العمل الوطني ودفع العملية السياسية.
نعلم أن الآراء لم تستقر بعد على جدول الأعمال وكذلك آلية الحوار بشكل نهائي، لكن ذلك وغيره من التفاصيل لن تكون عقبة إذا ما صدقت النوايا وجاء المتحاورون بهدف واضح، وهو التوافق وليس المغالبة، وإذا ما علم كل طرف أنه إذا أصر على تحقيق كل طلباته دون مرونة، ودون رغبة في البحث عن مساحات التقاء وتقديم بعض التنازلات، فإنه لن يحقق شيئاً، ولن ينجح هذا الحوار، الذي انتظرناه طويلاً، ودافعنا عن انعقاده كثيراً، وكنا مراراً نكرر أن لا بديل عنه وأنه السبيل الوحيد الآمن للخروج من الأزمة، رغم مطالبات وأصوات عديدة كان أصحابها يؤكدون رفض الحوار بكل أسباب الرفض، المنطقي منها وغير المنطقي، المفهوم منها والمريب، الذي ينطلق من دوافع وطنية صادقه، بناءً على اعتقاد من ينادي بها أن ذلك في مصلحة الوطن، وحتى من كانت تحركه فقط مصالح ضيقة “فئوية أو طائفية وحتى شخصية”، رغم كل ذلك كنا ننظر حينها للمستقبل ونعلم أن الحوار قادم، ونتشبث بأمل انعقاده، لكنه كان وما يزال أمل حذر لأنه مشروط بصدق نوايا الجميع.
واليوم، أما وقد بدأ الحوار فإننا ندعو كل المتحاورين إلى استلهام روح ميثاق العمل وأجوائه الوطنية، التي غطت بظلالها كل بيت وشارع وقرية ومدينة في البحرين، وقبل كل ذلك والأهم منه أنها احتوت كل نفس على أرض هذا الوطن الطيب، لابد أن نتذكر ما حدث في وطننا قبل 12 عاماً حينما قاد جلالة الملك البلاد إلى عهد الإصلاح بمشروعه الوطني الكبير، في الوقت الذي لم يكن فيه أحد في العالم العربي يحلم بظهور موجات التغيير، كان الأمير الشاب ومن خلفه رجال يعملون بصمت وبإصرار من أجل نقل البحرين إلى واقع سياسي واجتماعي واقتصادي وحقوقي أفضل، وهو ما تحقق، رغم أي من النواقص هنا أو هناك، ورغم أي من العثرات التي حدثت ولحظات البطء التي شابت التحول أحياناً، لكن لا أحد ينكر أن البحرين تغيرت كثيراً وللأفضل بعد 14 فبراير 2001.
سيذكر التاريخ ذلك، وسيذكر كيف اندلعت الثورات العربية، وكيف تاهت مطالبها في صراعات مريرة، خلفت ضحايا وخسائر بشرية ومادية فادحة، بعد أن أطاحت برؤساء وجاءت بغيرهم دون أن يتغير فيها شيء، وأصبح الخوف على غالبية دول الثورات العربية أن تدخل في حروب أهلية لا قدر الله، قد تكون تلك الثورات نجحت في تغيير حكام لكنها أبداً لم تنجح في أن تتحول من الثورة إلى الدولة، في حين أن التحولات الإصلاحية في البحرين قبل أكثر من عقد، لفتها الأفراح التي طالت ببهجتها كل البيوت، على وقع مكرمات أسعدت الناس ووحدت الشعب، حمل فيها القائد لواء الخير والإصلاح والتغيير.
ما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد النظر إلى تلك المرحلة المتوهجة من تاريخنا الوطني الحديث، كي نستحضر روحها لجهة إعاده شحن الهمم والعمل الوطني الجاد، لتخطي صعوبات وضع محلي وإقليمي غاية في التعقيد والتكتلات الطائفية، التي تحولت من العمل السياسي والواقع الاجتماعي داخل الدول، إلى الحسابات والتحالفات المعقدة والمصالح بين قوى كبرى متصارعة ودول بأكملها!!
شريط إخباري:
إن ذكرى ميثاقنا الوطني وهي تعود مع بدء جلسات حوار التوافق الوطني، تحتاج منا جميعاً وقفة منصفة لحجم الإنجاز الذي تحقق آنذاك، وكيف صحح مسار العمل الوطني في البحرين، وكيف كانت روح من اجتمعوا ووضعوا الخطوط العريضة للميثاق ونواياهم صادقة، فوضعوا مصلحة البحرين وشعبها وقيادتها ومستقبلها نصب أعينهم قبل كل شيء، ولأن النوايا كانت صادقة والعمل مخلص كان التوفيق من الله سبحانه وتعالى، وهو ما نتمناه اليوم من كل المتحاورين، فالوضع في الوطن لا يتحمل مزايدات، ولا تغليب مصالح فئوية، ولا مغامرات أخرى، ولا يمكن لهذا الحال السياسي والاجتماعي المحتقن أن يستمر في جموده المنذر، بما هو أسوأ، لذلك ندعوكم لاستلهام روح ميثاق العمل الوطن وصدق النوايا وإخلاص العمل، وسيكون التوفيق والنجاح حليفكم إن شاء الله.