وتيرة العنف والإرهاب تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، وهذا من الاستحالة أن يحدث دون تخطيط مسبق يهدف إلى إشعال البحرين عن بكرة أبيها، وبيان ذلك بأنه إحياء لذكرى «الثورة الطائفية».
المسيرات التي أقيمت لم يرد لها أبداً أن تكون مجرد «ظاهرة صوتية»، بحيث تبدأ وتنتهي دون أية تداعيات، بل واضح تماماً أن هدفها كان التصعيد في الشارع، والبحث عن مصادمات، وبالتالي التحصل على ضحايا وإصابات ليتم الترويج لها على المستوى الخارجي.
في الوقت نفسه تقدم «الوفاق» نفسها مع أتباعها على أنهم من أنصار الحل التوافقي عبر الحوار، وذلك بالاستمرار في الجلوس على طاولته، بينما يظل طلبهم بتأجيل جلسة اليوم الأحد أو بالأصح إلغاؤها يحمل كثيراً من الفرضيات على رأسها الرغبة في التركيز فيما سيحصل على الأرض، وتكريس الجهود لاستخدامه كمادة إعلامية للخارج.
هذا التصعيد الحاصل على الأرض لا نستبعد أن يكون سعياً لإيجاد «باب خلفي» للمعارضة الراديكالية الطائفية لتتنصل من الحوار وتخرج منه، خاصة وأنها الآن على المحك بشأن مصداقيتها وجديتها بشأن الحوار الذي مازالت «تتقلب» ألوانها بشأن حقيقة وجود أطراف أخرى تخالفها التوجه وتعاكسها في المطالبات.
لا نستبعد هذه الفرضية، إذ هذا أسلوب انتهجته «الوفاق» في السابق، عبر الخروج من التزامها بتحمل المسؤولية عبر الحراك السياسي من خلال مؤسساته إلى القفز للشارع وقيادة الجمهور لإشعال البحرين بكل وسيلة ممكنة.
طبعاً ما يدلل على ذلك عدم صدور حرف إدانة من هذه الجمعيات للإرهاب الذي استشرى هذه الأيام، وإصرارها على اتهام الدولة بأنها السبب فيه، هي تصر على «الاستعماء» عن «الفعل» وإدانة «رد الفعل» حتى لو كان دفاعاً عن النفس.
الدولة مطالبة أن تتصدى بحزم لهذه الفوضى التي يتأثر بها المجتمع ويعاني بسببها المواطنون والمقيمون، إذ مع ما حصل خلال الأيام الماضية وأسفر عن قتل الشرطة وجرحهم واستهدافهم ونصب أفخاخ للناس في الشوارع ووضع قنابل واستخدام أسلحة نارية، سيكون من المرفوض تماماً أن يكون مستوى التعاطي الأمني مع هذه الأفعال الإرهابية بنفس ما شهدناه في الفترة التي سبقت انطلاق الحوار.
المستوى الكبير في التصعيد الإرهابي يلزم الدولة بأن تتخذ إجراءات أكثر صرامة، وأن يكون القانون هو سيد الموقف ولا شيء آخر، وأن يتم إلزام كل متدخل في شأننا الداخلي بالأخص من «المتفلسفين» في الداخل من سفراء ومسؤولين بإلزامهم بـ «حدودهم»، إذ هذه بلدنا التي تحرق، وهؤلاء البشر الذين يعانون هم المواطنون.
من سيصرخ من جهات في الخارج، يجب عدم منحهم أكبر من حجمهم، لأننا بصراحة مللنا من التأثر بهؤلاء الذين لا يرون ما يحصل لدينا إلا بعيون الطائفيين والانقلابيين الذين يتعاطفون معهم، هؤلاء الذين ينظرون للبحرين من بعيد وينظرون ويتفلسفون عليها، وهم في الوقت نفسه، لو تعرضوا أو تعرض أقاربهم وأصدقاؤهم لمثل الإرهاب الذي نتعرض له نتحدى أن يبرروا له ويدافعوا عن مرتكبيه.
ما يحصل اليوم من تصاعد لوتيرة الإرهاب مؤشر خطير جداً، لا يقلل من وطأته تصريحات رسمية تقول بأنها لن تسمح بأن يؤثر ما يحصل على سير الحوار، لأن الأهم اليوم ليس هو الحوار ومخرجاته ومضيه، بقدر ما هو تثبيت دعائم الأمن والاستقرار والضرب بقوة على يد الإرهاب وأهله. في أي دولة لا تتمتع باستقرار أمني، ولا يطبق فيها القانون بصرامة، ولا تحترم فيه جماعات حرية الآخرين وحقهم بالعيش في سلام، وفي دولة يهاجم فيها رجال أمنهم وكأنهم أعداء ويستهدفون في أرواحهم وأجسادهم، لا يمكن أن يكون الحل بنتائج ينتهى لها أي حوار كان، إذ الإرهاب سيظل موجوداً وهذه الممارسات ستستمر طالما لم يقطع دابرها أو توجه بحزم.
تذكروا كلامنا، ترك الحال على ما هو عليه لن يجعل الواقع أفضل، بل هو يرسل رسالة مباشرة بأن في هذا البلد يمكنك أن تخرب وتحرق، وتقتل رجال الشرطة وتمارس الإرهاب، ولن يطالك العقاب ولن يطبق عليك القانون بصرامة، طالما هناك جهات تحتضن هذا الإرهاب وتدافع عنه وتبرر له بل تدعو له، ثم تتجه لتجلس مع الدولة والأطراف الأخرى في هذا البلد لتتحاور معهم، أو «تتفاوض» معهم.
الخلاصة هنا تكمن في سؤال من حق المواطنين أن يوجهوه للدولة وأجهزتها المعنية: زاد العنف ووصل لمرحلة خطيرة غير مسبوقة، فماذا أنتم فاعلون؟!