جامعة «هارفارد» الأمريكية العريقة ستدخل الآن في «القائمة السوداء» للجهات الدولية التي تحدثت بإنصاف عن البحرين، فقط لأن مؤسسة «نيمان» التابعة لها أصدرت مؤخراً تقريراً عن «الإصلاحات في البحرين» تناول بصورة محايدة الواقع الذي يحصل في بلدنا، ولم يغلب كفة على أخرى.كاتبة التقرير إعلامية وصحافية ألمانية، «سعاد ميكنت» عملت في صحف أمريكية مثل الـ»نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» والتلفزيون الألماني، وقامت بالعديد من البحوث والدراسات المتعلقة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي بشأنها نجحت في إجراء مقابلات مع قياديين في تنظيم القاعدة.الكاتبة تناولت التقرير بحيادية، أقلها لم تنكر مثلما يفعل كثير من المراسلين الإصلاحات العديدة التي قام بها جلالة الملك منذ توليه الحكم، بل أشارت لخطوته غير المسبوقة على مستوى العالم بانتداب لجنة دولية لتقصي الحقائق لترصد ما حصل، وتقدم توصيات من شأنها مساعدة البحرين للمضي قدماً، ومعالجة أية أخطاء حصلت، باعتبار ذلك واقعاً لا يمكن إنكاره.من يقرأ التقرير الكامل بنسخته الإنجليزية سيجد تفاصيل كثيرة، لكن طريقة العرض تبين حرفية الكاتبة في نقل الوقائع دون تحريف الوصف ليكون وصفاً انتقائياً.تقارير ذكرت أن الجامعة الأمريكية العريقة ومؤسستها البحثية وأضيف إليهما الكاتبة سيوضعون في قائمة «سوداء» من قبل الانقلابيين وأصحاب الأجندات المشبوهة، ليس لأنها ذكرت معلومات كلنا نعرف واقعيتها وصحتها، بل لأنها تجاوزت ذلك وتحدثت عن «التابو المقدس» الذي لا يقبل أي من مدعي «الدولة المدنية» وأي من مدعي «احترام الآراء» وأي من مدعي «الحرية» المساس به، سيهاجمونها لأن المصيبة التي ارتكبتها الكاتبة والإعلامية كان تطرقها لمرجعهم «المقدس» عيسى قاسم.يتضح من التقرير أن الكاتبة لم تهدف إلى الاقتراب من «تابو قاسم» لكن تساؤلاتها لشريحة معينة من الشباب الذين يقومون برمي المولوتوف وعمليات التخريب كلها قادتها إلى «المصدر» الذي يدفعهم لفعل كل هذا، كل ذلك قادها لمن يقود المشهد على الأرض، ويمكنه بكلمات منه أن يوقف الفوضى ويمنح فرصة لإنجاح الحوار أو في المقابل يدفع بهؤلاء الشباب لحرق البلد ليلاً ونهاراً.تقول ميكنت إن قادة التظاهر دائماً ما استخدموا «الديمقراطية» كمطلب، لكن هل تغيير النظام الانتخابي يعني رغبتهم الحقيقية في ترسيخ مبادئ الديمقراطية؟! وفي إطار سعيها للحصول على إجابة من المتظاهرين الشباب والذين بعضهم أروها كيف يصنعون قنابل «المولوتوف» اكتشفت مفهوماً جديداً للديمقراطية لدى هذه الشريحة التي توصف بأنها تخرج في تظاهرات للمطالبة بمزيد من الحريات والديمقراطية.سألت الصحفية الشباب بشأن قانون الأسرة، وما هو رأيهم بإقرار قانون الأسرة في الشق الشيعي لتمنح المرأة حقوقها مثل حقها في الحصول على الطلاق. فكانت الإجابة من الشباب: فقط إذا أمر آية الله عيسى قاسم بذلك!قد تكون الإجابة مثلت صدمة للكاتبة باعتبار أن هؤلاء يطالبون بالديمقراطية ما يعني -منطقياً- رفضهم أن يكونوا مسيرين وفق أوامر تصدر من شخص واحد، فكان سؤالها التالي بشأن ماذا إذا كانوا سيوقفون العنف حتى يحصل الحوار الوطني على فرصة؟! فكان الجواب مرة أخرى: فقط إذا أمر آية الله عيسى قاسم بذلك!لا تختلف الكاتبة في استنتاجاتها مع رأي قادة المعارضة بأن عيسى قاسم له مكانة دينية متقدمة في الأوساط الشيعية وأن له تأثيراً واضحاً على جمعية «الوفاق»، وسيطرة على المناطق القروية القريبة من مكان إقامته، لكنها ترى أن بإمكانه وقف المسيرات والتظاهرات حتى يمنح الحوار فرصة، لكنه في المقابل يقوم بالدعوة لمزيد من المسيرات!الكاتبة وغيرها من الإعلاميين الغربيين الذين يريدون معرفة حقيقة الأمر في البحرين يمكنهم اكتشاف أمور تبهرهم بالفعل، ولا نعني «سلمية» علي سلمان ومولوتوف أتباعه التي «أبهرت العالم»، بل كيف أن شعار الديمقراطية المرفوع ضائع تماماً كهدف في عقول وإيمان من يصنعون «الرقم» في المسيرات، كيف أن من يطالبون بمزيد من الديمقراطية من الدولة، هم أصلاً خاضعون لاستعباد فكري وإرادي من قبل شخص واحد منحه المرشد الإيراني خامنئي صفة «آية الله».في كسرها لـ»تابو قاسم» تقول الكاتبة: «بالنظر لخطب عيسى قاسم يتضح بأنه ليس من أكبر مؤيدي الحريات التي يدعو لها المدافعون عن الديمقراطية، هو ضد قانون الأسرة وضد حقوق المرأة فيه، لم يدن أي مظاهر عنف من المتظاهرين ولا استخدام المولوتوف ولا القنابل وغيرها».يمكن بسهولة لأي شخص من المحرضين والمؤزمين والانقلابيين الاعتراض على ما كتبته الكاتبة الألمانية، يمكن بسهولة لأي شخص أن يرفض رأيها الذي بنته على مشاهدات حية وأحاديث مع عينات من الشباب المتظاهرين، ويمكن بسهولة أن يبرز في المقابل آراء ومقالات لشخصيات عديدة بعضهم يفوق الكاتبة في الشهرة والخبرة، لكنهم لا يمكنهم إنكار أهم شيء أوردته هنا، لا يمكنهم إنكار أنهم وهم المطالبون بالحرية ورفض الاستبداد لا يمكنهم مخالفة «آية الله» -الذي عينه لهم خامنئي- بحرف، لا يمكنهم الاعتراض على أي «أمر» يوجهه، ويصدره عيسى قاسم، قاطعت «الوفاق» انتخابات 2002 بأمره، وشاركت بعد 4 سنوات بأمره، حرم التقاعد النيابي أولاً، ثم حلله لأفراد جماعته، أراد علي سلمان سحب الناس من الدوار ليبدأ الحوار فأمره بإبقائهم وحصل ما حصل، «الوفاق» تدين العنف باستحياء لأنها غير قادرة على إدانة مصدره الأول المتمثل بآية الله الذي قال «اسحقوهم».المضحك أنهم يعترضون على مسألة «التمثيل» في الحوار الحالي، ويطالبون بممثل عن جلالة الملك، ولا تلوموهم، فهم أصلاً ممثلون عن «آيتهم» عيسى قاسم في الحوار، وليسوا أبداً أصحاب قرار، هم فقط أصحاب «فداك روحي يا عيسى قاسم»! يريدون «دولة مدنية» لكن محكومة بأوامر «آية الله» مثلما تحكم إيران بالضبط.لستم أبداً أصحاب إرادة وقرار إلا حينما «يأمر آية الله عيسى قاسم بذلك»!