يومك زمن ليس بالقصير، يومك عمر كامل، يمتد من النوم إلى النوم، يومك حياة، فيها تحدث الزلازل والبراكين والأعاصير، وكذلك تحدث الاكتشافات، والابتكارات، والمشاريع التي تنقل الإنسان من حال إلى حال أفضل.
في يومك تحدث الكوارث وتحدث الولادات المتنوعة في كل ما يتنفس.
يومك وردة بحجم الأقمار والنجوم التي لا تتوقف عن إرسال الضوء إلى بقعة لا تراها أحدث التليسكوبات، ولكن يراها من ينظر بميكروسكوب البصيرة.
إذا ماذا فعلت بهذه الوردة التي أهداك الله إياها، كجزء من بستان حياتك؟ كيف عاملتها؟ وكيف حاولت أن تنشر أريجها في الكون؟ عطر الوردة لا ينتهي عند أنفك، إنه يمتد إلى ما لا نهايات المجرة. لونها أيضاً لا يختفي، لأنه يحمل موجة ذبذبة لا تتوقف عند حدود ما في كون غير محدود.
قبل أن تصعد ثانية لسفر النوم، تأمل جيداً في المساحة الهائلة التي أعطيت لك. ماذا فعلت بيومك؟
كم تحية ألقيتها على أصدقائك في العمل، أو على عمال الشوارع الذين يعيدون تشكيل المدينة التي لها تنتمي؟ كم مرة سمحت لسيارة أمامك بالمرور؟ كم مرة ابتسمت؟ وكم مرة شجعت غيرك على الخروج من الحيرة التي تحاصره أو للمشكلة التي وقع فيها؟
يومك أوسع مما تتصور، فأنت تستطيع أن تقيم الدنيا وتقعدها، أنت تستطيع أن تعطي المحبة لمن لا يملكها وتساهم في نشر كل ما هو رائع وجميل في الزمن الذي أنت فيه الآن، وفي المكان الذي تقف فيه في تلك اللحظة.
قالوا لنا ونحن على أدراج الدراسة في الابتدائية: “اغتنم خمساً قبل خمس”. فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه “اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”. رواه أحمد في مسنده.
إن أصابتك مصيبة، احمد الله واشكره، لأنها أنقذتك من مصيبة أكبر منها، إن صدمت شخصاً بسيارتك، أو صدمك آخر بسيارته، اشكر الله لأنها جاءت في الحديد، وليس فيك، أو في السائق الآخر، إن فشلت في امتحان تقديم لوظيفة، ولم تحصل عليها، احمد الله، لأن الله أراد لك وظيفة أفضل.
في السراء والضراء ابتسم.
في الفقر والغنى ابتسم.
في الصحة والمرض ابتسم.
أقوى الناس من إذا إصابته مصيبة في ماله أو عياله أو في نفسه يبتسم ويقول “إنا لله وإنا إليه راجعون”. فكل شيء يسير وفق خطة إلهية، نحن لا نستطيع أن نعترض على هذه الخطة، لأنها ستكون كما أراد الله أن تكون، ليس أمامك إلا الابتسام.
ابتسم، ليس بالشفتين، إنما ابتسم بالقلب، ابتسم بالرئتين، ابتسم بالكبد، ابتسم بكل خلايا جسدك، إلى أن تتحول إلى ابتسامة تسير على قدمين، تدخل في ساحات الحزن، وتحولها إلى بساتين من الفرح الداخلي، تمر على خرائب فتصير عماراً.
إن يومك هو كل حياتك، يومك معناك، يومك وردة الله التي أهداها لك بمحبته وقدرته وحكمته، فلا تتركها تذبل دون أن ترويها بنورك الداخلي، ذلك النور الذي ليس مثله نور، يومك هو الساحة التي بها تتحرك نحو كل ما هو جميل في هذه الحياة.