فارق كبير بين أن تدعو للتحشيد والتجمعات وهدفك الرئيس «إسقاط الدولة» حتى وإن «جبنت» الآن، وحولتها إلى «إصلاح» وشعارات زائفة، وبين أن تدعو للتحشيد والتجمع بهدف «حماية الدولة» وصون «حقك» وإعلاء صوتك، ورفض اختطافه، مع رفع مطالباتك بصورة راقية وحضارية هي التي تعبر عن «السلمية» الفعلية لا «السلمية» الكاذبة.
فارق كبير بين من هدفه اليومي العمل على هدم أركان هذه الدولة، وبين من هدفه الحفاظ عليها، والدفاع عنها، حتى لا تكون لقمة سائغة للطامعين سواء في الخارج أو الداخل.
الاحتفالية في ذكرى تجمع «الفاتح» قبل عامين ليست دعوة لـ«الشوو»، وليست فعالية هدفها «الغرب» والخارج، مثلما هي فعاليات وحركات الانقلابيين، بل هي فعالية لتذكير النفس بأنه في مثل هذا اليوم قبل عامين «أفاق» كثير من المواطنيين الطيبيين الذين عاشوا على هذه الأرض دون توقع مجيء يوم ستكون فيه بلادهم عرضة للاختطاف، فعالية لتذكيرنا جميعاً بأنه حينما تصل المسألة لتمس كيان البحرين ووجودها ومستقبل أبنائها فإن المخلصين لتراب هذه الأرض لن يسكتوا ولن يجلسوا متفرجين، هذه الأرض ليست للبيع، ولن تكون.
سألني بعض المخلصين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن موقفي من التجمع ودعوته، فآثرت عدم الرد قبل الفعالية، حتى لا يفسر الكلام بطريقة مقلوبة، أو ينتقى منه ما قد يروج له بأننا ضد أي حراك هدفه وحدة هذا الوطن.
إن كان من تحفظ على أداء جمعية الوحدة الوطنية، فإننا ندعوهم فقط لدراسة تجاذبات الشارع البحريني بعد الدعوة للفعالية، وقبل إقامتها بأيام، هذه التجاذبات ستعطي الإخوة في الجمعية مؤشرات بشأن كيف يمكن للأداء والحراك طوال عام كامل أن يؤثر على عزيمة الناس إن لم يتلاق مع طموحاتهم.
تمثيل الناس ليس ترفاً أو بهرجة إعلامية، بل مسؤولية جسيمة تستوجب إيصال أصوات الناس ورؤاهم بمصداقية وتمثيلهم بكل أمانة. حينما تتمثل بالفعل بأنك صوت الناس فإن الناس ستعاضدك وتدعمك بقوة ولن تحتاج لحثها على المجيء.
ليست كارثة أن نخطئ، أو أن نتقاعس، أو أن نهدأ باعتبار أن الأمور عادة إلى طبيعتها نسبياً، وأن الرؤية واضحة بأن هذه الدولة لن تضيع، لكن الكارثة إن عولنا على استمرار الوضع وآثرنا الهدوء.
وعليه فإن استخلاص الدورس مهم، والحصيف من يتعلم من عثراته ليحول الفشل إلى سبب من أسباب النجاح.
نعم قد يكون لدى الكثيرين تحفظ على الأداء، لكن مخطئ من يتردد بشأن «أساس» العملية. تجمع «الفاتح» جاء ليلم كل المخلصين من أبناء هذا الوطن، لم يشترط أن يكونوا سنة فقط، بل فتح بابه للجميع، مسلمين بمذاهبهم، مسيحيين، يهوداً وغيرهم، تجمع يمثل البحرينيين المخلصين بمختلف انتماءاتهم ووجد في لحظات عصيبة، كان لابد من استفاقة البشر، ولابد للفئة الصامتة أن تتحدث.
ولأن تجمع «الفاتح» كان مؤثراً، فإن الدلالة عليه هي محاولات التقزيم والنيل منه من قبل الإعلام الانقلابي والعناصر الكارهة للدولة، هذه العناصر التي ترفع كذباً شعار احترام الرأي والرأي الآخر، لكنها تحاول بكل الوسائل والطرق «خنق» الأصوات الأخرى.
من ذهب للاحتفال بذكرى الفاتح قام بما يراه واجباً وطنياً تجاه هذا الوطن الغالي، ذهب ليقول بأنني «هنا»، وأنني لن أسمح حتى آخر نفس في صدري أن أترك الإحباط يدب في قلبي بما يمنح كارهي هذا الوطن مجالاً لاستغلال ذلك في مسعاهم لاختطاف البحرين، ومن لم يذهب باعتبار أن لديه تحفظات على أداء الجمعية -بغض النظر عن جدلية التفريق بين تجمع «الفاتح» الأول وبين تأسيس كيان مستمد منه- فإن واجبه أيضاً العمل على تصحيح أي مسار يراه غير صحيح.
لن ندخل في النوايا، لكننا نقول بأن الأساس مبني على حماية البحرين والدفاع عنها، وهذا هو مربط الفرس. لن نبيع هذه الأرض، أو نتقاعس عن حمايتها، أو نتنازل عن حقنا في التعبير عن حقوقنا ومطالبنا بسبب أمور يمكن لها أن تحل أو تقوم أو تعدل.
تذكروا جيداً بأن «الفاتح» سيظل ذكرى مؤلمة للانقلابيين والدليل استماتتهم للنيل منه، ومسعاهم لبيان الخلافات بين أهله وإذكائها وإسعار نارها، وهم من يتناسوا كل خلافاتهم التي أساسها الصراع على تقاسم كعكة البحرين فيما بينهم. لا تنسوا كيف اختلفت «الوفاق» مع «حق» و»الوفاء» بشأن مرجعيتهم الدينية الولائية ووصلوا لمكتب خامنئي الإيراني ليفصل في المسألة، ما بين دفاع وفاقي عن عيسى قاسم، ومساعي «حق» و»الوفاء» لتسقيطه وتنصيب عبدالجليل المقداد بديلاً عنه كمرجعية معتمدة تمثل المرشد الإيراني في البحرين.
تذكروا أن «الفاتح» اسم في معانيه ودلالاته أكبر من الأشخاص، «الفاتح» يوم رد المخلصون على انقلابيين تطاولوا عليهم وتجرأوا على سرقة أصواتهم ليسرقوا بعدها وطنهم.
تذكروا أن «الفاتح» هو التأكيد على أن البحرين ستظل مملكة عربية حرة خليجية إسلامية، ولن تكون أبداً ولاية إيرانية فارسية ولائية.
والأهم تذكروا دائماً أن «الفاتح» سيظل «ذكرى مؤلمة»، لكن لمن رآه سداً منيعاً وقف أمام محاولته لسرقة هذه البلد.
شكراً لأهل الفاتح المخلصين.